المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

38- لما رأى زكريا - عليه السلام - ما رآه من نعمة الله على مريم ، اتجه إلى الله ضارعاً أن يهبه من فضله وكرمه وبقدرته ولداً ، فهو يسمع دعاء الضارعين ، وهو القدير على الإجابة وإن وقفت الأسباب العادية من شيخوخة أو عقم دون تحقيقها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

33

عندئذ تحركت في نفس زكريا ، الشيخ الذي لم يوهب ذرية ، تحركت تلك الرغبة الفطرية القوية في النفس البشرية . الرغبة في الذرية . في الامتداد . في الخلف . . الرغبة التي لا تموت في نفوس العباد الزهاد ، الذين وهبوا أنفسهم للعبادة ونذروها للهيكل . إنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، لحكمة عليا في امتداد الحياة وارتقائها :

( هنالك دعا زكريا ربه . قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة . إنك سميع الدعاء . . فنادته الملائكة - وهو قائم يصلي في المحراب - أن الله يبشرك بيحيى ، مصدقا بكلمة من الله ، وسيدا وحصورا ، ونبيا من الصالحين . . قال : رب أنى يكون لي غلام ، وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر . قال : كذلك الله يفعل ما يشاء . قال : رب اجعل لي آية . قال : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ؛ واذكر ربك كثيرا ، وسبح بالعشي والإبكار )

وكذلك . . نجدنا أمام حادث غير عادي . يحمل مظهرا من مظاهر طلاقة المشيئة الإلهية ، وعدم تقيدها بالمألوف للبشر ، الذي يحسبه البشر قانونا لا سبيل إلى إخلافه ؛ ومن ثم يشكون في كل حادث لا يجيء في حدود هذا القانون ! فإذا لم يستطيعوا تكذيبه ، لأنه واقع ، صاغوا حوله الخرافات والأساطير !

فها هو ذا " زكريا " الشيخ الكبير وزوجه العاقر التي لم تلد في صباها . . ها هو ذا تجيش في قلبه الرغبة الفطرية العميقة في الخلف - وهو يرى بين يديه مريم البنية الصالحة المرزوقة - فيتوجه إلى ربه يناجيه ، ويطلب منه أن يهب له من لدنه ذرية طيبة :

( هنالك دعا زكريا ربه . قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة . إنك سميع الدعاء ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

لما رأى زكريا ، عليه السلام ، أن الله تعالى يرزق مريم ، عليها السلام ، فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، طمع حينئذ في الولد ، و[ إن ]{[4981]} كان شيخا كبيرا قد [ ضعف و ]{[4982]} وَهَن منه{[4983]} العظم ، واشتعل رأسه شيبا ، وإن كانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرًا ، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خَفيا ، وقال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ } أي : من عندك { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } أي : ولدا صالحا

{ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } .


[4981]:زيادة من أ، و.
[4982]:زيادة من أ، و.
[4983]:في جـ، ر: "ضعف".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

{ هنالك دعا زكريا ربه } في ذلك المكان ، أو الوقت إذ يستعار هنا وثم وحيث للزمان ، لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله تعالى . { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } كما وهبتها لحنة العجوز العاقر . وقيل لما رأى الفواكه في غير أوانها انتبه على جواز ولادة العاقر من الشيخ ، فسأل وقال هب لي من لدنك ذرية ، لأنه لم يكن على الوجوه المعتادة وبالأسباب المعهودة . { إنك سميع الدعاء } مجيبه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

أي في المكان ، قبل أن يخرج ، وقد نبّهه إلى الدعاء مشاهدةُ خوارق العادة مع قول مريم : { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } [ آل عمران : 37 ] والحكمةُ ضالة المؤمن ، وأهلُ النفوس الزكية يعتبرون بما يرون ويسمعون ، فلذلك عمد إلى الدعاء بطلب الولد في غير إبانه ، وقد كان في حَسرة من عدم الولد كما حكى الله عنه في سورة مريم . وأيضاً فقد كان حينئذ في مكان شَهد فيه فيضا إلاهياً . ولم يزل أهل الخير يتوخون الأمْكنة بما حدث فيها من خير ، والأزمنة الصالحة كذلك ، وما هي إلاّ كالذوات الصالحة في أنها محالّ تجلّيات رضا الله .

وسأل الذرية الطيّبة لأنها التي يرجى منها خير الدنيا والآخرة بحصول الآثار الصالحة النافعة . ومشاهدةُ خوارق العادات خوّلت لزكرياء الدعاء بما هو من الخوارق ، أو من المستبعدات ، لأنّه رأى نفسه غير بعيد عن عناية الله تعالى ، لا سيما في زمن الفيض أو مكانه ، فلا يعد دعاؤه بذلك تجاوزاً لحدود الأدب مع الله على نحو ما قرّره القرافي في الفرق بين ما يجوز من الدعاء وما لا يجوز . وسميع هنا معنى مجيب .