المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

27- يا أيها الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له ، لا يصح أن تكون منكم خيانة لله ورسوله بموالاة أعداء الحق ، أو بالخيانة في الغنائم ، أو بالقعود عن الجهاد ، ولا تخونوا في الأمانات التي تكون بينكم ، وأنتم تعلمون أوامر الله ونواهيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

27

( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون . واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وأن الله عنده أجر عظيم ) . .

إن التخلي عن تكاليف الأمة المسلمة في الأرض خيانة لله والرسول . فالقضية الأولى في هذا الدين هي قضية :

" لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " . . قضية إفراد الله - سبحانه - بالألوهية ؛ والأخذ في هذا بما بلغه محمد [ ص ] وحده . . والبشرية في تاريخها كله لم تكن تجحد الله البتة ؛ ولكنها إنما كانت تشرك معه آلهة أخرى . أحيانا قليلة في الاعتقاد والعبادة . وأحيانا كثيرة في الحاكمية والسلطان - وهذا هو غالب الشرك ومعظمه - ومن ثم كانت القضية الأولى لهذا الدين ليست هي حمل الناس على الاعتقاد بألوهية الله . ولكن حملهم على إفراده - سبحانه - بالألوهية ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، اي إفراده بالحاكمية في حياتهم الأرضية - كما أنهم مقرّون بحاكميته في نظام الكون - تحقيقا لقول الله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) . . كذلك كانت هي حملهم على أن الرسول هو وحده المبلغ عن الله ؛ ومن ثم الالتزام بكل ما يبلغهم إياه . هذه هي قضية هذا الدين - اعتقادا لتقريره في الضمير ، وحركة لتقريره في الحياة - ومن هنا كان التخلي عنها خيانة الله لله والرسول ؛ يحذر الله منها العصبة المسلمة التي آمنت به وأعلنت هذا الإيمان ؛ فأصبح متعينا عليها أن تجاهد لتحقيق مدلوله الواقعي ؛ والنهوض بتكاليف هذا الجهاد في الأنفس والأموال والأولاد .

كذلك يحذرها خيانة الأمانة التي حملتها يوم بايعت رسول الله [ ص ] على الإسلام . فالإسلام ليس كلمة تقال باللسان ، وليس مجرد عبارات وأدعيات . إنما هو منهج حياة كاملة شاملة تعترضه العقبات والمشاق . إنه منهج لبناء واقع الحياة على قاعدة أن لا إله إلا الله ؛ وذلك برد الناس إلى العبودية لربهم الحق ؛ ورد المجتمع إلى حاكميته وشريعته ، ورد الطغاة المعتدين على ألوهية الله وسلطانه من الطغيان والاعتداء ؛ وتأمين الحق والعدل للناس جميعا ؛ وإقامة القسط بينهم بالميزان الثابت ؛ وتعمير الأرض والنهوض بتكاليف الخلافة فيها عن الله بمنهج الله

وكلها أمانات من لم ينهض بها فقد خانها ؛ وخاس بعهده الذي عاهد الله عليه ، ونقض بيعته التي بايع بها رسوله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

قال عبد الله بن أبي قتادة والزهري : أنزلت في أبي لُبابة بن عبد المنذر ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قُرَيْظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستشاروه في ذلك ، فأشار عليهم بذلك - وأشار بيده إلى حلقه - أي : إنه الذبح ، ثم فطن أبو لبابة ، ورأى أنه قد خان الله ورسوله ، فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه ، وانطلق إلى مسجد المدينة ، فربط نفسه في سارية منه ، فمكث كذلك تسعة أيام ، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد ، حتى أنزل الله توبته على رسوله . فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه ، وأرادوا أن يحلوه من السارية ، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه [ وسلم ]{[12848]} بيده ، فحله ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة ، فقال{[12849]} يجزيك الثلث أن تصدق به " {[12850]}

وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي ، حدثنا محمد بن عبيد الله أبو عون الثقفي ، عن المغيرة بن شعبة قال : نزلت هذه الآية في قتل عثمان ، رضي الله عنه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ } الآية .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا القاسم بن بِشْر بن معروف ، حدثنا شَبَابة بن سَوَّار ، حدثنا محمد بن المحرم قال : لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال : حدثني جابر بن عبد الله ؛ أن أبا سفيان خرج من مكة ، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبا سفيان في كذا وكذا . فقال النبي{[12851]} صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " إن أبا سفيان في موضع{[12852]} كذا وكذا ، فاخرجوا إليه واكتموا " فكتب رجل من المنافقين إليه : إن محمدًا يريدكم ، فخذوا حذركم ، فأنزل الله [ عز وجل ]{[12853]} { لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ } الآية{[12854]}

هذا حديث غريب جدًّا ، وفي سنده وسياقه نظر .

وفي الصحيحين قصة " حاطب بن أبي بَلْتَعَة " أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتح ، فأطلع الله رسوله على ذلك ، فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه ، واستحضر حاطبا فأقر بما صنع ، فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ، ألا أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ؟ فقال : " دعه ، فإنه قد شهد بدرا ، ما{[12855]} يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " {[12856]}

قلت : والصحيح أن الآية عامة ، وإن صح أنها وردت على سبب خاص ، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء . والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ } الأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد - يعني الفريضة يقول : لا تخونوا : لا تنقضوها .

وقال في رواية : { لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ } يقول : بترك سنته وارتكاب معصيته .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير في هذه الآية ، أي : لا تظهروا لله{[12857]} من الحق ما يرضى به منكم ، ثم تخالفوه في السر إلى غيره ، فإن ذلك هلاك لأماناتكم ، وخيانة لأنفسكم .

وقال السُّدِّيّ : إذا خانوا الله والرسول ، فقد خانوا أماناتهم .

وقال أيضا : كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين . وقال عبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ]{[12858]} نهاكم أن تخونوا الله والرسول ، كما صنع المنافقون .


[12848]:زيادة من د، ك، م، أ.
[12849]:في أ: "فقال له".
[12850]:رواه الطبري في تفسيره (13/481).
[12851]:في أ: "رسول الله".
[12852]:في أ: "بمكان".
[12853]:زيادة من د، ك، م.
[12854]:تفسير الطبري (13/480).
[12855]:في ك، م: "وما".
[12856]:انظر: تخريجه عند تفسير الآية: 9 من هذه السورة.
[12857]:في د، ك، م: "لا تظهروا له".
[12858]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوَاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا تَخُونُوا الله . وخيانتهم الله ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الإيمان في الظاهر والنصيحة ، وهو يستسرّ الكفر والغشّ لهم في الباطن ، يدلّون المشركين على عورتهم ، ويخبرونهم بما خفي عنهم من خبرهم .

وقد اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الاَية ، وفي السبب الذي نزلت فيه ، فقال بعضهم : نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرّ المسلمين . ذكر من قال ذلك .

حدثنا القاسم بن بشر بن معروف ، قال : حدثنا شبابة بن سوّار ، قال : حدثنا محمد بن المحرم ، قال : لقيت عطاء بن أبي رباح ، فحدثني ، قال : ثني جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة ، فأتى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه : «إنّ أبا سُفْيانَ فِي مَكانِ كَذَا وكَذَا فاخْرُجُوه إلَيْهِ وَاكْتُمُوا » قال : فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان : إن محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم فأنزل الله عزّ وجلّ : لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتخُونُوا أماناتِكُمْ .

وقال آخرون : بل نزلت في أبي لبابة للذي كان من أمره وأمر بني قريظة . ذكر من قال ذلك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن الزهري ، قوله : لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ قال : نزلت في أبي لبابة ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه أنه الذبح . قال الزهري : فقال أبو لبابة : لا والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا ، حتى خرّ مغشيّا عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك قال : والله لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده . ثم قال أبو لبابة : إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت بها الذنب وأن أنخلع من مالي ، قال : «يُجْزِيكَ الثّلُثُ أنْ تَصَدّقَ بِهِ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت عبد الله بن أبي قتادة ، يقول : نزلت : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ في أبي لبابة .

وقال آخرون : بل نزلت في شأن عثمان رضي الله عنه . ذكر من قال ذلك .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يونس بن الحرث الطائفي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عون الثقفيّ ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : نزلت هذه الاَية في قتل عثمان رضي الله عنه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ . . . الاَية .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله نهى المؤمنين عن خيانته وخيانة رسوله وخيانة أمانته . وجائز أن تكون نزلت في أبي لبابة ، وجائز أن تكون نزلت في غيره ، ولا خبر عندنا بأيّ ذلك كان يجب التسليم له بصحته ، فمعنى الاَية وتأويلها ما قدمنا ذكره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يا أيهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ قال : نهاكم أن تخونوا الله والرسول ، كما صنع المنافقون .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ . . . الاَية ، قال : كانوا يسمعون من النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين .

واختلفوا في تأويل قوله : وتَخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ فقال بعضهم : لا تخونوا الله والرسول ، فإن ذلك خيانة لأماناتكم وهلاك لها . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ : أي لا تظهروا لله من الحقّ ما يرضى به منكم ثم تخالفوه في السرّ إلى غيره ، فإن ذلك هلاك لأماناتكم وخيانة لأنفسكم .

فعلى هذا التأويل ، قوله : وتَخُونُوا أماناتِكُمْ في موضع نصب على الظرف ، كما قال الشاعر :

لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ***عارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ

ويروى : «وتأتي مثله » .

وقال آخرون : معناه : لا تخونوا الله والرسول ، ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : قوله : يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ يقول : لا تخونوا : يعني لا تنقصوها .

فعلى هذا التأويل : لا تخونوا الله والرسول ، ولا تخونوا أماناتكم .

واختلف أهل التأويل في معنى الأمانة التي ذكرها الله في قوله : وتَخُونُوا أماناتِكُمْ فقال بعضهم : هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وتَخونُوا أماناتِكُمْ والأمانة : الأعمال التي أمن الله عليها العباد ، يعني : الفريضة . يقول : لا تَخُونُوا : يعني لا تنقصوها .

حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ يقول : بترك فرائضه والرّسُولَ يقول : بترك سننه وارتكاب معصيته . قال : وقال مرّة أخرى : لا تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ والأمانة : الأعمال . ثم ذكر نحو حديث المثنى .

وقال آخرون : معنى الأمانات ههنا : الدّين . ذكر من قال ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَتخُونُوا أماناتِكُمْ دينكم . وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال : قد فعل ذلك المنافقون وهم يعلمون أنهم كفار ، يظهرون الإيمان . وقرأ : وَإذَا قامُوا إلى الصّلاةِ قامُوا كُسالى . . . الاَية ، قال : هؤلاء المنافقون أمنهم الله ورسوله على دينه فخانوا ، أظهروا الإيمان وأسرّوا الكفر .

فتأويل الكلام إذن : يا أيها الذين آمنوا لا تنقصوا الله حقوقه عليكم من فرائضه ولا رسوله من واجب طاعته عليكم ، ولكن أطيعوهما فيما أمراكم به ونهياكم عنه ، لا تنقصوهما ، وتخونوا أماناتكم ، وتنقصوا أديانكم ، وواجب أعمالكم ، ولازمها لكم ، وأنتم تعلمون أنها لازمة عليكم وواجبة بالحجج التي قد ثبتت لله عليكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } بتعطيل الفرائض والسنن ، أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون ، أو بالغلول في المغانم . وروي : ( أنه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحاء بأرض الشام ، فأبى إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم ، فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، قال أبو لبابة : فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت . فشد نفسه على سارية في المسجد وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه ، ثم تاب الله عليه فقيل له : قد تيب عليك فحل نفسك فقال : لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي فقال عليه الصلاة والسلام يجيزك الثلث أن تتصدق به ) . وأصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام ، واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه . { وتخونوا أماناتكم } فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب بالواو . { وأنتم تعلمون } أنكم تخونون ، أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة ، وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها ، قال الزهراوي : والمعنى لا تخونوا بغلول الغنائم ، وقال الزهراوي وعبد الله بن أبي قتادة : سبب نزولها أمر أبي لبابة ، وذلك أنه أشار لبني قريظة حين سفر إليهم إلى حلقه يريد بذلك إعلامهم أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الذبح ، أي فلا تنزلوا ، ثم ندم وربط نفسه بسارية من سواري المسجد حتى تاب الله عليه ، الحديث المشهور{[5292]} ، وحكى الطبري أنه أقام سبعة أيام لا يذوق شيئاً حتى تيب عليه ، وحكي أنه كان لأبي لبابة عندهم مال وأولاد فلذلك نزلت { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } ، وقال عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله : سببها أن رجلاً من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بن حرب بخبر من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية{[5293]} ، فقوله : { يا أيها الذين آمنوا } معناه أظهروا الإيمان ، ويحتمل أن يخاطب المؤمنين حقاً أن لا يفعلوا فعل ذلك المنافق ، وحكى الطبري عن المغيرة بن شعبة أنه قال : أنزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه .

قال القاضي أبو محمد : يشبه أن تمثل بالآية في قتل عثمان رحمه الله ، فقد كانت خيانة لله وللرسول والأمانات ، والخيانة : التنقص للشيء باختفاء ، وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما ، مالاً كان أو سرّاً أو غير ذلك ، والخيانة لله تعالى هي في تنقص أوامره في سر وخيانة الرسول تنقص فقد اؤتمن على دينه وعبادته وحقوق الغير ، وقيل المعنى وتخونوا ذوي أماناتكم ، وأظن الفارسي أبا علي حكاه ، { وأنتم تعلمون } ، يريد أن ذلك لا يضر منه إلا ما كان عن تعمد .

وقوله { فتنة } يريد محنة واختباراً وابتلاء ليرى كيف العمل في جميع ذلك ، وقوله { وأن الله عنده أجر عظيم } يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المدخور للآخرة أعظم قدراً من مكاسب الدنيا .

وقوله تعالى : { وتخونوا } قال الطبري : يحتمل أن يكون داخلاً في النهي كأنه قال : لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم فمكانه على هذا جزم ، ويحتمل أن يكون المعنى لا تخونوا الله والرسول فذلك خيانة لأماناتكم فموضعه على هذا نصب على تقدير وأن تخونوا أماناتكم ، قال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله*** عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ{[5294]}

وقرأ مجاهد وأبو عمرو بن العلاء فيما روي عنه أيضاً «وتخونوا أمانتكم » على إفراد الأمانة .


[5292]:- أخرجه سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عبد الله بن قتادة، وأخرج مثله سنيد، وابن جرير عن الزهري، وأخرجه أيضا عبد بن حميد عن الكلبي. (الدر المنثور).
[5293]:- أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله. (الدر المنثور)
[5294]:- يروي النحويون هذا البيت شاهدا على جواز النصب عاطفا على اسم مؤول بمعنى أن تكون الواو للمعية، والتقدير: "لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله". أما إعراب الآية الكريمة فيحتمل الأمرين اللذين ذكرهما ابن عطية وهما: أن يكون مجزوما عطفا على [لا تخونوا] وأن يكون منصوبا على جواب النهي، وكونه مجزوما هو الراجح، لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع، والجزم يقتضي النهي عن كل واحد- وهناك شروط للنصب بعد هذه الواو تجدها في كتب النحو. هذا وقد اختلف النحويون في نسبة هذا البيت، فقيل: قائله أبو الأسود الدؤلي، وقيل: هو الأخطل، وقيل: المتوكل الليثي أو سابق البربري، ونسب لحسّان والطرماح، والبيت في حماسة البحتري 174، والأغاني 12/156، والمؤتلف 273، والمستقصى 2/ 260، وسيبويه 1/ 424، وابن عقيل 2/ 126، والسيوطي 264، والخزانة 3/ 617.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

استئناف خطاب للمؤمنين يحذرهم من العصيان الخفي . بعد أن أمرهم بالطاعة والاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم حذرهم من أن يظهروا الطاعة والاستجابة في ظاهر أمرهم ويبطنوا المعصية والخلاف في باطنه ، ومناسبته لما قبله ظاهرة وإن لم تسبق من المسلمين خيانة وإنما هو تحذير .

وذكر الواحدي في « أسباب النزول » وروى جمهور المفسرين وأهل السير ، عن الزهري والكلبي ، وعبد الله بن أبي قتادة ، أنها نزلت في أبي لبابة{[243]} بن عبد المنذر الأنصاري لما حَاصر المسلمون بني قريظة ، فسألت بنو قريظة الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تَنزلون على حكم سعد بن مُعاذ " فأبوا وقالوا : « أرسل إلينا أبا لُبابة » فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أبا لُبابة وكان ولده وعيالُه وماله عندهم ، فلما جاءهم قالوا له ما ترى أننزل على حكم سعد ، فأشار أبو لُبابة بيده على حَلْقِه : أنّه الذبْح ، ثم فطن أنه قد خان الله ورسوله فنزلت فيه هذه الآية ، وهذا الخبر لم يثبت في الصحيح ، ولكنه اشتهر بين أهل السير والمفسرين ، فإذا صح ، وهو الأقرب كانت الآية مما نزل بعد زمن طويل من وقت نزول الآيات التي قبلها ، المتعلقة باختلاف المسلمين في أمر الأنفال فإن بين الحادثتين نحواً من ثلاث سنين ويقرب هذا ما أشرنا إليه آنفاً من انتفاء وقوع خيانة لله ورسوله بين المسلمين .

والخَوْن والخيانة : إبطال ونقضُ ما وقع عليه تعاقد من دون إعلان بذلك النقض ، قال تعالى : { وإمّا تخافَن من قومٍ خيانةً فانبِذْ إليهم على سواءٍ } [ الأنفال : 58 ] والخيانة ضد الوفاء قال الزمخشري : « وأصل معنى الخَون النقصُ ، كما أن أصل الوفاء التمام ، ثم استعمل الخَون في ضد الوفاء لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه » أي واستعمل الوفاء في الإتمام بالعهد ، لأن من أنجز بما عاهد عليه فقد أتم عهده فلذلك يقال : أوفى بما عاهد عليه .

فالإيمان والطاعة لله ورسوله عهد بين المؤمن وبين الله ورَسوله ، فكما حُذروا من المعصية العلنية حذروا من المعصية الخفية .

وتشمل الخيانة كل معصية خفية ، فهي داخلة في { لا تخونوا } ، لأن الفعل في سياق النهي يعم ، فكل معصية خفية فهي مراد من هذا النهي ، فتشمل الغلول الذي حاموا حوله في قضية الأنفال ، لأنهم لما سأل بعضهم النفل وكانوا قد خرجوا يتتبعون آثار القتلى ليتنفلوا منهم ، تعين تحذيرهم من الغلول ، فذلك مناسبة وقع هذه الآية من هذه الآيات سواء صح ما حكي في سبب النزول أم كانت متصلة النزول بقريناتها .

وفعل « الخيانة » أصله أن يتعدى إلى مفعول واحد وهو المخون ، وقد يعدى تعدية ثانية إلى ما وقع نقضه ، يقال : خان فلاناً أمانتَه أو عهدَه ، وأصله أنه نصب على نزع الخافض ، أي خانه في عهده أو في أمانته ، فاقتصر في هذه الآية على المخوف ابتداء ، واقتصر على المخون فيه في قوله : { وتخونوا أماناتكم } أي في أماناتكم أي وتخونوا الناس في أماناتكم .

والنهي عن خيانة الأمانة هنا : إن كانت الآية نازلة في قضية أبي لبابة : إن ما صدر منه من إشارة إلى ما في تحكيم سعد بن معاذ مِن الضر عليهم يعتبر خيانة لمن بعثه مستفسراً ، لأن حقه أن لا يشير عليهم بشيء ، إذ هو مبعوث وليس بمستشار .

وإن كانت الآية نزلت مع قريناتها فنهي المسلمين عن خيانة الأمانة استطراد لاستكمال النهي عن أنواع الخيانة ، وقد عدل عن ذكر المفعول الأصلي ، إلى ذكر المفعول المتّسَع فيه ، لِقصد تَبشيع الخيانة بأنها نقض للأمانة ، فإن الأمانة وصف محمود مشهور بالحسن بين الناس ، فما يكون نقضاً له يكون قبيحاً فظيعاً ، ولأجل هذا لم يقل : وتخونوا الناسَ في أماناتهم فهذا حذف من الإيجاز .

والأمانة اسم لما يحفظه المرء عند غيره مشتقة من الأمن ؛ لأنه يأمنه من أن يضيعها ، والأمين الذي يحفظ حقوق من يواليه ، وإنما أضيفت الأمانات إلى المخاطبين مبالغة في تفظيع الخيانة ، بأنها نقض لأمانة منسوبة إلى ناقضها ، بمنزلة قوله : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] دون : ولا تقتلوا النفس .

وللأمانة شأن عظيم في استقامة أحوال المسلمين ، ما ثبتوا عليها وتخلقوا بها ، وهي دليل نزاهة النفس واعتدال أعمالها ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إضاعتها والتهاون بها ، وأشار إلى أن في إضاعتها انحلال أمر المسلمين ، ففي « صحيح البخاري » عن حذيفة بن اليَمَان قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين : رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلتْ على جَذْر قلوب الرجال ثم عَلمِوا من القرآن ثم علَموا من السنة ، وحدثنا عن رفعها فقال : ينام الرجل النومة فَتُقبض من قلبه فيظل أثرها مثل الوكْت ، ثم ينام النّومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المَجْل كجَمْر دَحُرَجْتَه على رِجْلِك فَنفِط فتراه مُنْتَبِراً وليس فيه شيء ، ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلاً أميناً ، ويقال للرجل ما أعْقَلَه وما أظْرَفَه ومَا أجْلَدَه ، وما في قلبه مثقال حَبّهِ خَرْدَل من إيمان » .

( الوكت سواد يكون في البُسْر إذا قارب أن يصير رُطَباً ، والمَجْل غِلَظ الجلد من أثر العمل والخدمة ، ونَفِط تَقَرَّح ومُنْتَبِراً منتفخاً ) ، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان إذ قال في آخر الأخبار عنها وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، وحسبك من رفع شأن الأمانة : أن كان صاحبها حقيقاً بولاية أمر المسلمين لأن ولاية أمر المسلمين ، أمانة لهم ونصح ، ولذلك قال عمر بن الخطاب حين أوصى بأن يكون الأمر شورى بين ستة « ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً لعهدت إليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له إنه أمين هذه الأمة » .

وقوله : { وتخونوا } عطف على قوله : { لا تخونوا } فهو في حَيز النهي ، والتقدير : ولا تخونوا أماناتكم ، وإنما أعيد فعل { تخونوا } ولم يُكتف بحرف العَطف ، الصالح للنيابة عن العامل في المعطوف ، للتنبيه على نوع آخر من الخيانة فإن خيانتهم الله ورسوله نقضُ الوفاءِ لهما بالطاعة والامتثال ، وخيانة الأمانة نقض الوفاء بأداء ما ائتمنوا عليه .

وجملة { وأنتم تعلمون } في موضع الحال من ضمير { تَخونوا } الأول والثاني ، وهي حال كاشفة والمقصود منها تشديد النهي ، أو تشنيع المنهي عنه لأن النهي عن القبيح في حال معرفة المنهي أنه قبيح يكون أشد ، ولأن القبيح في حال علم فاعله بقبحه يكون أشنَعَ ، فالحال هنا بمنزلة الصفة الكاشفة في قوله تعالى : { ومَن يَدْعُ مع الله إلهاً آخر لا بُرهان له به فإنما حِسابُه عند ربه } [ المؤمنون : 117 ] وقوله { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } [ البقرة : 22 ] وليس المراد تقييد النهي عن الخيانة بحالة العلم بها ، لأن ذلك قليل الجدوى ، فإن كل تكليف مشروط بالعلم وكون الخيانة قبيحة أمر معلوم .

ولك أن تجعل فعل { تَعْلمون } منزلاً منزلة اللازم ، فلا يُقدّر له مفعول ، فيكون معناه « وأنتم ذَوُو عِلم » أي معرفة حقائق الأشياء ، أي وأنتم عُلماء لا تجهلون الفرق بين المَحاسن والقبائح ، فيكون كقوله : { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } في سورة البقرة ( 22 ) .

ولك أن تقدر له هنا مفعولاً دل عليه قوله : { وتخونوا أماناتكم } أي وأنتم تعلمون خيانة الأمانة أي تعلمون قبحها فإن المسلمين قد تقرر عندهم في آداب دينهم تقبيح الخيانة ، بل هو أمر معلوم للناس حتى في الجاهلية .


[243]:- قيل اسمه رفاعة وقيل مروان وقيل هارون وقيل غير ذلك واشتهر بكنيته.