محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

27 { يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون }

{ يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } لما ذكّرهم تعالى بإسباغ نعمه عليهم ليشكروه ، وكان من شكره الوقوف عند حدوده ، بين لهم ما يحذر منها ، وهو الخيانة . ويدخل في خيانة الله تعطيل فرائضه ، ومجاوزة حدوده ، وفي خيانة رسوله رفض سننه ، وإفشاء سره للمشركين . وفي خيانة أمانتهم الغلول في المغانم ، أي السرقة منها ، وخيانة كل ما يؤتمن عليه الناس من مال أو أهل أو سر ، وكل ما تعبدوا به . / وقد روي في نزول الآية شيء مما ذكرنا . ولفظ الآية مطلق يتناوله وغيره . ومن ذلك{[4346]} ما رواه سعيد بن منصور عن عبد الله بن أبي قتادة قال : " نزلت في أبي لبابة حين حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة وأمرهم أن ينزلوا على حكم سعد ، فاستشار قريظة من أبي لبابة في النزول على حكم سعد ، وكان أهل أبي لبابة وأمواله فيهم ، فأشار إلى حلقه - أنه الذبح - قال أبو لبابة : ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله ، ثم حلف ألا يذوق ذواقا حتى يموت ، أو يتوب الله عليه . وانطلق إلى المسجد ، فربط نفسه بسارية ، فمكث أياما ، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد ، ثم أنزل الله توبته ، وحلف لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيده ، فحله ، فقال{[4347]} : يا رسول الله ! إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة ، فقال يجزيك الثلث أن تصدق به " .

قال بعض المفسرين : دل هذا السبب على جواز إظهار الجزع على المعصية ، وإتعاب النفس وتوبيخها ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي لبابة ، ودل على أنه يستحب اتباع المعصية بالصدقة ، لأنه عليه السلام قال : " يجزيك ثلث مالك " ، وهذا سبيل قوله{[4348]} في هود : { إن الحسنات يذهبن السيئات } .

وفي قوله تعالى : { وأنتم تعلمون } دليل على أن ذنب العالم بالخطيئة أعظم منه من غيره ، لأن المعنى : وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله .


[4346]:انظر سيرة ابن هشام الصفحة رقم 687 و 687 (طبعة جوتنجن) والصفحة رقم 246،247و248 من الجزء الثالث (طبعة الحلبي).
[4347]:انظر موطأ مالك : 22 - كتاب النذور ولأيمان حديث 16 (طبعتنا).
[4348]:[11 / هود / 114].