البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } قال ابن عباس والأكثرون : نزلت في أبي لبابة حين استنصحته قريظة لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسيّرهم إلى أذرعات وأريحا كفعله ببني النصير فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي ليس عند الرسول إلا الذبح فكانت هذه خيانته في قصّة طويلة ، وقال جابر في رجل من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بشيء من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال المغيرة بن شعبة في قتل عثمان .

قال ابن عطية ويشبه أن يتمثل بالآية في قتله فقد كان قتله خيانة لله ورسوله والأمانات انتهى ، وقيل في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يعلمهم بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ، وقيل في قوم كانوا يسمعون الحديث من الرسول فيفشونه حتى يبلغ المشركين وخيانتهم الله في عدم امتثال أوامره وفعل ما نهي عنه في سرّ وخيانة الرسول فيما استحفظ وخيانة الأمانات إسقاطها وعدم الاعتبار بها ، وقيل و { تخونوا } ذوي أماناتكم و { أنتم تعلمون } جملة حالية أي وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله فكان ذلك أبعد لكم من الوقوع في الخيانة لأن العالم بما يترتب على الذنب يكون أبعد الناس عنه ، وقيل { وأنتم تعلمون } أن الخيانة توجد منكم عن تعمّد لا عن سهو ، وقيل وأنتم عالمون تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن وجوّزوا في { وتخونوا } أن يكون مجزوماً عطفاً على { لا تخونوا } ومنصوباً على جواب النهي وكونه مجزوماً هو الراجح لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع والجزم يقتضي النهي عن كل واحد ، وقرأ مجاهد أمانتكم على التوحيد وروى ذلك عن أبي عمرو .