الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

معنى الخون : النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام . ومنه : تخوّنه ، إذا تنقصه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه ، وقد استعير فقيل : خان الدلو الكرب ، وخان المشتار السبب لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له . ومنه قوله تعالى : { وَتَخُونُواْ أماناتكم } والمعنى لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه ، ورسوله بأن لا تستنوا به . و { أماناتكم } فيما بينكم بأن لا تحفظوها { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } تبعة ذلك ووباله ، وقيل وأنتم تعلمون أنكم تخونون ، يعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو . وقيل : وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن . وروي : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم سعد ابن معاذ ، فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة مروان بن عبد المنذر وكان مناصحاً لهم لأنّ عياله وماله في أيديهم ، فبعثه إليهم فقالوا له : ما ترى ، هل ننزل على حكم سعد ؟ فأشار إلى حلقه إنه الذبح ، قال أبو لبابة فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت ، فشدّ نفسه على سارية من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليّ ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه ، فقيل له : قد تيب عليك فحل نفسك . فقال : لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاءه فحله بيده فقال : إنّ من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي . فقال صلى الله عليه وسلم : يجزيك الثلث أن تتصدّق به . وعن المغيرة : نزلت في قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه . وقيل : { أماناتكم } ما ائتمنكم الله عليه من فرائضه وحدوده .

فإن قلت : { وَتَخُونُواْ } جزم هو أم نصب ؟ قلت : يحتمل أن يكون جزماً داخلاً في حكم النهي وأن يكون نصباً بإضمار «أن » كقوله : { وَتَكْتُمُواْ الحق } [ البقرة : 42 ] وقرأ مجاهد : «وتخونوا أمانتكم » ، على التوحيد .