تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (27)

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) جعل الله عز وجل ، هذه الأمة وسطا عدلا بقوله : ( جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس )[ البقرة : 143 ] فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا قد جعلكم الله أمة عدلا وسطا ، فلا تخونوا الله فيه كقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) الآية[ النساء : 135 ] وقال تعالى : ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )[ المائدة : 8 ] وقال : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض )[ الأحزاب : 72 ] أخبر أنه ألزمهم الأمانة ؛ أعني البشر دون ما ذكر من الخلائق .

ثم منهم من ضيع تلك الأمانة تلك الأمانة من نحو المنافقين والمشركين ، وخانوا فيها ، فلحقهم الوعيد بالتضييع ، وهو قوله تعالى : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات ) الآية[ الأحزاب : 73 ] فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا قد قبلتم أمانة الله فلا تضيعوها ، ولا تخونوا فيها كما قال : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم )[ النحل : 91 ] [ وقال ][ ساقطة من الأصل وم ] ( وأفوا بعهدي أوف بعهدكم )[ البقرة : 40 ] وغيرها من الآيات التي فيها ذكر الأمانات . نهاهم أن يخونوا فيها ، فيكونوا[ في الأصل وم : فيكونون ] كأنهم خانوا أمانتهم .

ويحتمل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم ) أن أنفسكم وأموالكم لله ، وهي عندكم أمانة ، استحفظكم فيها ، فلا تستعلموها في غير ما أذن لكم ؛ لأن من استحفظ أحدا في شيء ، ووضع عنده أمانة ، فاستعملها في غير ما أذن له ، صار خائنا فيها مضيعا[ في الأصل وم : صامنا ] فعلى ذلك أنفسكم وأموالكم لله عندكم أمانة ، استحفظكم فيها ، فإذا استعملتموها[ في الأصل وم : استعملتم ] في غير ما أذن لكم فيها خنتم الله والرسول فيها ، فتخونون[ في الأصل وم : فتخونوا ] أماناتكم التي لكم عند الله إذا ضيعتم الأمانة كقوله تعالى : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم )[ البقرة : 40 ] .

وقال بعضهم : قوله : ( وتخونوا أماناتكم ) التي في ما بينكم .

وأصله أن الله عز وجل امتحنهم لمنافع أنفسهم ولحاجتهم ، فيصيرون في ما خانوا في ما امتحنهم كأنهم[ في الأصل وم : كانوا ] خانوا أنفسهم ، وخانوا أماناتهم كقوله تعالى : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )[ البقرة : 57 ] وقوله تعالى : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها )[ الإسراء : 7 ] وقوله تعالى : ( من عمل صالحا فلنفسه )الآية[ فصلت : 46 ] .

ثم خيانة المنافقين والمشركين في الدين ، وخيانة المؤمنين في أفعالهم ، وعد لهم التوبة عن خيانتهم ، ووعد أولئك على ما خانوا بقوله تعالى : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات )[ الأحزاب : 73 ] .

وقوله تعالى : ( وأنتم تعلمون ) أن أنفسكم وأموالكم ليست لكم ، إنما هي لله عندكم أمانة ، فلا تخونوا فيها .

وعن ابن عباس : [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : الأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد ؛ يعني الفريضة . يقول : لا تخونوا الله ، أي لا تنقضوا .

ثم اختلف أهل التأويل في نزول الآية : قال بعضهم : نزلت في أبي لبابة [ ابن عبد المنذر ][ ساقطة من الأصل وم ] ؛ وذلك ما قيل في بعض القصة : إن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة ، فسألوا الصلح على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات ، فأبى النبي إلا أن ينزلوا على الحكم ، فأبوا ، وقالوا[ الواو ساقطة من الأصل وم ] : فأرسل إلينا أنا لبابة ، وكان مناصحهم ، فبعثه النبي إليهم . فلما أتاهم قالوا : يا أبا لبابة أننزل على حكم محمد ، فأشار أبو لبابة بيده ؛ أي لا تنزلوا على الحكم ، فأطاعوا . وكان أبو لبابة ، ماله وولده معهم /198-ب/ن فخان المسلمين .

[ وقيل : نزلت ][ في الأصل وم : فنزلت ] الآية في شأن حاطب بن [ أبي ][ ساقطة من الأصل وم ] بلتعة ، فعل ما فعل أبو لبابة . وقيل : نزلت في شأن قوم ، بينهم وبين رسول الله عهد الذين كانوا يعبدون الأصنام . لكنا لا ندري في شأن من نزلت ؟ وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى أن فيه ما ذكرنا من النهي في الخيانة في أمانة الله تعالى والأمر بحفظها ، والله أعلم .