وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) جعل الله عز وجل ، هذه الأمة وسطا عدلا بقوله : ( جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس )[ البقرة : 143 ] فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا قد جعلكم الله أمة عدلا وسطا ، فلا تخونوا الله فيه كقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) الآية[ النساء : 135 ] وقال تعالى : ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )[ المائدة : 8 ] وقال : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض )[ الأحزاب : 72 ] أخبر أنه ألزمهم الأمانة ؛ أعني البشر دون ما ذكر من الخلائق .
ثم منهم من ضيع تلك الأمانة تلك الأمانة من نحو المنافقين والمشركين ، وخانوا فيها ، فلحقهم الوعيد بالتضييع ، وهو قوله تعالى : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات ) الآية[ الأحزاب : 73 ] فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا قد قبلتم أمانة الله فلا تضيعوها ، ولا تخونوا فيها كما قال : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم )[ النحل : 91 ] [ وقال ][ ساقطة من الأصل وم ] ( وأفوا بعهدي أوف بعهدكم )[ البقرة : 40 ] وغيرها من الآيات التي فيها ذكر الأمانات . نهاهم أن يخونوا فيها ، فيكونوا[ في الأصل وم : فيكونون ] كأنهم خانوا أمانتهم .
ويحتمل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم ) أن أنفسكم وأموالكم لله ، وهي عندكم أمانة ، استحفظكم فيها ، فلا تستعلموها في غير ما أذن لكم ؛ لأن من استحفظ أحدا في شيء ، ووضع عنده أمانة ، فاستعملها في غير ما أذن له ، صار خائنا فيها مضيعا[ في الأصل وم : صامنا ] فعلى ذلك أنفسكم وأموالكم لله عندكم أمانة ، استحفظكم فيها ، فإذا استعملتموها[ في الأصل وم : استعملتم ] في غير ما أذن لكم فيها خنتم الله والرسول فيها ، فتخونون[ في الأصل وم : فتخونوا ] أماناتكم التي لكم عند الله إذا ضيعتم الأمانة كقوله تعالى : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم )[ البقرة : 40 ] .
وقال بعضهم : قوله : ( وتخونوا أماناتكم ) التي في ما بينكم .
وأصله أن الله عز وجل امتحنهم لمنافع أنفسهم ولحاجتهم ، فيصيرون في ما خانوا في ما امتحنهم كأنهم[ في الأصل وم : كانوا ] خانوا أنفسهم ، وخانوا أماناتهم كقوله تعالى : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )[ البقرة : 57 ] وقوله تعالى : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها )[ الإسراء : 7 ] وقوله تعالى : ( من عمل صالحا فلنفسه )الآية[ فصلت : 46 ] .
ثم خيانة المنافقين والمشركين في الدين ، وخيانة المؤمنين في أفعالهم ، وعد لهم التوبة عن خيانتهم ، ووعد أولئك على ما خانوا بقوله تعالى : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات )[ الأحزاب : 73 ] .
وقوله تعالى : ( وأنتم تعلمون ) أن أنفسكم وأموالكم ليست لكم ، إنما هي لله عندكم أمانة ، فلا تخونوا فيها .
وعن ابن عباس : [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : الأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد ؛ يعني الفريضة . يقول : لا تخونوا الله ، أي لا تنقضوا .
ثم اختلف أهل التأويل في نزول الآية : قال بعضهم : نزلت في أبي لبابة [ ابن عبد المنذر ][ ساقطة من الأصل وم ] ؛ وذلك ما قيل في بعض القصة : إن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة ، فسألوا الصلح على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات ، فأبى النبي إلا أن ينزلوا على الحكم ، فأبوا ، وقالوا[ الواو ساقطة من الأصل وم ] : فأرسل إلينا أنا لبابة ، وكان مناصحهم ، فبعثه النبي إليهم . فلما أتاهم قالوا : يا أبا لبابة أننزل على حكم محمد ، فأشار أبو لبابة بيده ؛ أي لا تنزلوا على الحكم ، فأطاعوا . وكان أبو لبابة ، ماله وولده معهم /198-ب/ن فخان المسلمين .
[ وقيل : نزلت ][ في الأصل وم : فنزلت ] الآية في شأن حاطب بن [ أبي ][ ساقطة من الأصل وم ] بلتعة ، فعل ما فعل أبو لبابة . وقيل : نزلت في شأن قوم ، بينهم وبين رسول الله عهد الذين كانوا يعبدون الأصنام . لكنا لا ندري في شأن من نزلت ؟ وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى أن فيه ما ذكرنا من النهي في الخيانة في أمانة الله تعالى والأمر بحفظها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.