وقد عقب السياق بسؤال استنكاري على موقف يهود - سواء كان في هذه القضية أو تلك فهو موقف عام منهم وتصرف مطرد - فقال :
( وكيف يحكمونك - وعندهم التوراة فيها حكم الله - ثم يتولون من بعد ذلك ) ؟ . .
فهي كبيرة مستنكرة أن يحكموا رسول الله [ ص ] فيحكم بشريعة الله وحكم الله ، وعندهم - إلى جانب هذا - التوراة فيها شريعة الله وحكمه ؛ فيتطابق حكم رسول الله [ ص ] وما عندهم في التوراة ؛ مما جاء القرآن مصدقا له ومهيمنا عليه . . ثم من بعد ذلك يتولون ويعرضون . سواء كان التولي بعدم التزام الحكم ؛ أو بعدم الرضى به . .
ولا يكتفي السياق بالاستنكار . ولكنه يقرر الحكم الإسلامي في مثل هذا الموقف :
فما يمكن أن يجتمع الإيمان ، وعدم تحكيم شريعة الله ، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة . والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم " مؤمنون " ثم هم لا يحكمون شريعة الله في حياتهم ، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم . . إنما يزعمون دعوى كاذبة ؛ وإنما يصطدمون بهذا النص القاطع : ( وما أولئك بالمؤمنين ) . فليس الأمر في هذا هو أمر عدم تحكيم شريعة الله من الحكام فحسب ؛ بل إنه كذلك عدم الرضى بحكم الله من المحكومين ، يخرجهم من دائرة الإيمان ، مهما ادعوه باللسان .
وهذا النص هنا يطابق النص الآخر ، في سورة النساء : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، ويسلموا تسليمًا ) . . فكلاهما يتعلق بالمحكومين لا بالحكام . وكلاهما يخرج من الإيمان ، وينفي صفة الإيمان عمن لا يرضى بحكم الله ورسوله ، ومن يتولى عنه ويرفض قبوله .
ومرد الأمر كما قلنا في مطلع الحديث عن هذا الدرس . . أن القضية هي قضية الإقرار بألوهية الله - وحده - وربوبيته وقوامته على البشر . أو رفض هذا الإقرار . وأن قبول شريعة الله والرضى بحكمها هو مظهر الإقرار بألوهيته وربوبيته وقوامته ؛ ورفضها والتولي عنها هو مظهر رفض هذا الإقرار .
ثم قال تعالى - منكرًا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم{[9864]} الزائغة ، في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدًا ، ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره ، مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم - فقال : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.