محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَكَيۡفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوۡرَىٰةُ فِيهَا حُكۡمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوۡنَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (43)

[ 43 ] { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ( 43 ) } . .

{ وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله } تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه . مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به .

قال بعضهم : معنى { فيها حكم الله } أي : في المسألة التي تحاكموا فيها إلى النبي صلوات الله عليه . وهو حكم الله بحسب اعتقادهم أو بحسب الحقيقة . قال : ووجود هذا الحكم الخاص فيها ، لا ينافي القول بوجود أشياء أخرى كثيرة فيها محرفة . وسماها التوراة : إما باعتبار عرفهم ، أو باعتبار أصلها ، أو لاشتمالها على أشياء أخرى كثيرة فيها محرفة . ولولا ذلك ما صح أن تسمى بذلك ، كالإنجيل ؛ مع اعتقاد تحريفها وتبديلها وعدم صحة كثير من أجزائها وكتبها . . . 1 ه .

{ ثم يتولون من بعد ذلك } أي : من بعد البيان في التوراة ، وحكمك الموافق لما في كتابهم { وما أولئك بالمؤمنين } أي : بالتوراة كما يزعمون .

قال الحاكم : وفي الآية دلالة على أنه لا يجوز طلب الرخصة بترك ما يعتقده حقا إلى ما يعتقده غير حق . وقوله تعالى : { ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } يدل على أن التولي عن حكم الله يخرجه عن الإيمان .

قال بعض الزيدية : إذا كره حكم الشرع وطلب حكم المنع ، هل ذلك يخرجه عن حكم الإيمان ؟ وهذا ينبغي أن يفصل فيه ، فيقال : إن اعتقد صحته ، أو رأى له مزية أو تعظيما ، أو استهان بحكم الإسلام ، فلا إشكال في كفره . وإن لم يحصل ذلك منه ، بل اعتقد أنه باطل خسيس ، وأنه يعظم شرع الإسلام ، ولكن يميل إلى هوى نفسه ، فهذا لا يكفر على الظاهر . إذ الكفر يحتاج إلى دليل قاطع .

وفي كلام الحاكم ما تقدم : أنه يخرجه عن الإيمان . فإن أوهم أنه حق أو أنه أصلح من شرع الإسلام ، فهذا محتمل للكفر لأن كفر إبليس اللعين ، بكونه اعتقد أن أمر الله تعالى له بالسجود لآدم ، غير صالح . لكونه خلقه من طين ، وإبليس من النار . انتهى .