وقوله : { وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } يقول : سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب نارا ذات لهب .
واختلفت القرّاء في قراءة { حَمّالَةَ الْحَطَبِ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة : «حَمّالَةُ الْحَطَبِ » بالرفع ، غير عبد الله بن أبي إسحاق ، فإنه قرأ ذلك نصبا فيما ذُكر لنا عنه .
واختُلف فيه عن عاصم ، فحكي عنه الرفع فيها والنصب ، وكأنّ من رفع ذلك جعله من نعت المرأة ، وجعل الرفع للمرأة ما تقدّم من الخبر ، وهو «سيصلى » ، وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة ، وذلك قوله : { فِي جِيدِها } ، وتكون «حَمّالَة » نعتا للمرأة . وأما النصب فيه فعلى الذمّ ، وقد يُحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة ؛ لأن المرأة معرفة ، وحمالة الحطب نكرة .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : الرفع ؛ لأنه أفصح الكلامين فيه ، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه .
واختلف أهل التأويل ، في معنى قوله : { حَمّالَةَ الْحَطَبِ } فقال بعضهم : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليدخل في قَدمه إذا خرج إلى الصلاة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : كانت تحمل الشوك ، فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ليعقره وأصحابه ، ويقال : { حَمّالَةَ الْحَطَب } : نقالة للحديث .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من هَمْدان -يقال له يزيد بن زيد- أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم الشّوْك ، فنزلت : { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَب وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَب } .
حدثني أبو هريرة الضّبَعي ، محمد بن فِراس ، قال : حدثنا أبو عامر ، عن قُرّة بن خالد ، عن عطية الجدليّ . في قوله : { حمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : كانت تضع العِضاه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنما يطأ به كثيبا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } كانت تحمل الشوك ، فتلقيه على طريق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليعقِره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : كانت تأتي بأغصان الشوك ، فتطرحُها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : قيل لها ذلك : حمالة الحطب ، لأنها كانت تحطب الكلام ، وتمشي بالنميمة ، وتعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : قال أبو المعتمر : زعم محمد أن عكرِمة قال : { حَمّالَةَ الْحَطَبِ } : كانت تمشي بالنميمة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : كانت تمشي بالنميمة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { حَمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : النميمة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } : أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : كانت تحطِب الكلام ، وتمشي بالنميمة .
وقال بعضهم : كانت تُعَيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تَحْطِبُ فَعُيّرت بأنها كانت تحطب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ } قال : كانت تمشي بالنميمة .
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : كانت تحمل الشوك ، فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن عيسى بن يزيد ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زيد ، وكان ألزم شيء لمسروق ، قال : لما نزلت : { تَبّتْ يَدَا أبَي لَهَبٍ } بلغ امرأة أبي لهب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يهجوكِ ، قالت : علام يهجوني ؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطبا «في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ » ؟ فمكثت ، ثم أتته ، فقالت : إن ربك قلاك وودّعك ، فأنزل الله : { وَالضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى } .
وقوله تعالى : { وامرأته حمالة الحطب } هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان ، وعطف قوله { وامرأته } على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد ، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها ، وقال ابن عباس : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم ، فلذلك سميت { حمالة الحطب } ، وعلى هذا التأويل ، ف { حمالة } معرفة يراد به الماضي ، وقيل : إن قوله { حمالة الحطب } استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها ، ف { حمالة } على هذا نكرة ، يراد بها الاستقبال ، وقيل : هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين ، كما تقول : فلان يحطب على فلان{[12019]} وفي حبل فلان ، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين ، وقال الشاعر : [ الرجز ]
إن بني الأدرم حمالوا الحطب *** هم الوشاة في الرضا وفي الغضب{[12020]}
وقرأ ابن مسعود ( ومريئته ) . وقرأ الجمهور : ( حمالة ) بالرفع{[12021]} ، وقرأ عاصم : ( حمالة ) بالنصب على الذم ، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن ، وقرأ ابن مسعود : ( حمالة للحطب ) بالرفع ولام الجر ، وقرأ أبو قلابة ( حاملة ) بكسر الميم بعد الألف .
أعقب ذم أبي لهب ووعيدهُ بمثل ذلك لامرأته لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلى الله عليه وسلم وتعينه عليه .
وامرأته : أي زوجُه ، قال تعالى في قصة إبراهيم : { وامرأته قائمة } [ هود : 71 ] وفي قصة لوط : { إلا امرأته كانت من الغابرين } [ الأعراف : 83 ] وفي قصة نسوة يوسف : { امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه } [ يوسف : 30 ] .
وامرأة أبي لهب هي أم جَميل ، واسمها أرْوَى بنتُ حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان بن حرب ، وقيل : اسمها العَوراء ، فقيل هو وصف وأنها كانت عوراء ، وقيل : اسمها ، وذكر بعضهم : أن اسمها العَوَّاء بهمزة بعد الواو .
وكانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاه والشوكِ فتضعه في الليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يسلك منه إلى بيته ليعقِر قدميه .
فلما حصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته جُعل لامرأته وعيد مقتبَس لفظُه من فِعلها وهو حَمْل الحطب في الدنيا ، فأُنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقَد به على زوجها ، وذلك خزي لها ولزوجها إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه ، وجعلها سبباً لعذاب أعز الناس عليها .
فقوله : { وامرأته } عطف على الضمير المستتر في { سيصلى } [ المسد : 3 ] أي وتصلى امرأته ناراً .
وقوله : { حمالةُ الحطب } قرأه الجمهور برفع { حمالةُ } على أنه صفة لامرأته فيَحتمل أنها صفتها في جهنم ويحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدّنيا بجلب حطب العضاه لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة التوجيه والإِيماء إلى تعليل تعذيبها بذلك .
وقرأه عاصم بنصب { حمالة } على الحال من { امرأته } . وفيه من التوجيه والإِيماء ما في قراءة الرفع .