محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ} (4)

{ وامرأته حمالة الحطب } أي وسيصلاها معه امرأته أيضا ، ف { امرأته } مرفوع عطفا على الضمير في { سيصلى } ، أو على الابتداء ، و { في جيدها } الخبر ، وقرىء { حمالة } بالنصب على الشتم والذم ، وبالرفع نعتا أو بدلا ، أو عطف بيان . إنما قيل لها ذلك ؛ لأنها كانت تحطب الكلام وتمشي بالنميمة ، كما قاله مجاهد وعكرمة وقتادة .

قال الزمخشري : ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس : يحمل الحطب بينهم ، أي يوقد بينهم ، ويورث الشر ، قال{[7578]} :

من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ***ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب

يمدحها بأنها من البيض الوجوه ، وأنها بريئة من أن تصطاد على سوء ولؤم فيها ، ومن أن تمشي بالسعاية والنميمة بين الناس ، وإنما جعل رطبا ليدل على التدخين الذي هو زيادة الشر ، ويقال : فلان يحطب على فلان إذا أغرى به .

قال الشهاب : وهي استعارة مشهورة لطيفة كاستعارة حطب جهنم للأوزار .

قال ابن كثير : وكانت زوجته من سادات نساء قريش ، وهي أم جميل ، واسمها ( أروى ) بنت حرب بن أمية ، وهي أخت أبي سفيان وعمة معاوية ، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده { في جيدها حبل من مسد } . قال الإمام رحمه الله : أي في عنقها حبل من الليف ، أي أنها في تكليف نفسها المشقة الفادحة للإفساد بين الناس ، وتأريث نيران العداوة بينهم بمنزلة حامل الحطب الذي في عنقه حبل خشن يشتد به ما حمله إلى عنقه حتى يستقل به ، وهذه أشنع صورة تظهر بها امرأة تحمل الحطب ، وفي عنقها حبل من الليف تشد به الحطب إلى كاهلها ، حتى تكاد تختنق به .

وقال أيضا : قد أنزل الله في أبي لهب وفي زوجته هذه السورة ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه مطاوعة لهواه ، وإيثارا لما ألفه من العقائد والعوائد والأعمال ، واغترارا بما عنده من الأموال ، وبما له من الصولة ، أو من المنزلة في قلوب الرجال ، وأنه لا تغنى عنه أمواله ولا أعماله شيئا ، وسيصلى ما يصلى ، نسأل الله العافية .


[7578]:استشهد به في الكشاف في تفسير السورة واستشهد في اللسان بالمجلد الأول بالصفحة رقم 322 (طبعة بيروت) وقال يعني بالحطب الرطب النميمة.