السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ} (4)

ولما أخبر تعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار زاده تحقيراً بذكر من يصونها بأزرى صورة وأشنعها بقوله تعالى : { وامرأته } وهو عطف على ضمير يصلى ، سوغه الفصل بالمفعول وصفته ، وهي أمّ جميل ، وهي أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، مثل زوجها في التباب والصليّ من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب ، وعدل عن ذكرها ؛ لأنّ صفتها القباحة ، وهي ضدّ كنيتها . قال البقاعي : ومن هنا يؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه . وقوله تعالى : { حمالة الحطب } فيه وجهان :

أحدهما : هو حقيقة . قال قتادة : وكانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر ، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدّة بخلها ، فعيرت بالبخل . وقال ابن زيد : كانت تحمل العضاه والشوك تلقيه في الليل في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير . وقال برّة الهمداني : كانت أمّ جميل تأتي في كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها في طريق المسلمين ، فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة عييت فقعدت على حجر تستريح ، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها .

الوجه الثاني : أنّ ذلك مجاز عن المشي بالتسمية ، ورمي الفتن بين الناس ، ويقال للمشاء بين الناس بالنمائم المفسد بين الناس : يحمل الحطب منهم ، أي : يوقد بينهم ، ويثير الشر ، قال الشاعر :

من البيض لم تصطد على ظهر لأمة *** ولم تمش بين الناس بالحطب الرطب

جعله رطباً ليدلّ على التدخين الذي هو زيادة في الشرّ . وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا والذنوب ، من قولهم : فلان يحتطب على ظهره ، قال تعالى : { يحملون أوزارهم على ظهورهم } [ الأنعام : 31 ] وقرأ عاصم بنصب التاء من حمالة على الشتم ، قال الزمخشري : وأنا أستحب هذه القراءة ، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب شتم أمّ جميل اه . والباقون برفعها على أنها صفة امرأته ، فإنها مرفوعة باتفاق ، إما بالعطف على الضمير في سيصلى كما مرّ .