اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ} (4)

قوله : { وامرأته حَمَّالَةَ الحطب } .

قرأ العامة : بالرفع ، على أنها جملة من مبتدأ وخبر ، سيقت للإخبار بذلك .

قيل : وامرأته ، عطف على الضمير في «سيصلى » سوغه الفصل بالمفعول ، و«حمَّالة الحَطبِ » على هذا فيها أوجه : كونها نعتاً ل «امرأته » ، وجاز ذلك ؛ لأن إضافته حقيقية ، إذ المراد المعنى ، وكونها بياناً أو بدلاً ؛ لأنها أقرب من الجوامد لتمحض إضافتها ، أو كونها خبراً لمبتدأ مضمر أي : هي حمالةُ .

وقرأ ابن عباس{[61079]} - رضي الله عنهما - : ومريئته حمالة الحطب .

وعنه أيضاً : «ومريته » على التصغير ، إلا أنه أقر الهمزة تارة ، وأبدلها ياء ، وأدغم فيها أخرى .

وقرأ العامة : «حَمَّالةُ » بالرفع ، وعاصم{[61080]} بالنصب على الشَّتم . وقد أتى بجميل من سبّ أم جميل .

قال الزمخشري{[61081]} : وكانت تكنى أم جميل ، لعنها الله .

وقيل : نصب على الحال من «امرأته » إذا جعلناها مرفوعة بالعطف على الضمير .

ويضعف جعلها حالاً عند الجمهور من الضمير في الجار بعدها إذا جعلناها ل «امْرَأتهُ » ، لتقدمها على العامل المعنوي ، واستشكل بعضهم الحالية - لما تقدم - من أن المراد به المعنى ، فتتعرف بالإضافة ، فكيف يكون حالاً عند الجمهور ؟

ثم أجاب بأن المراد الاستقبال ؛ لأنه ورد أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار ، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا .

وفي قوله تعالى : { حَمَّالَةَ الحطب } قولان :

أحدهما : هو حقيقة .

قال قتادة : كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر ، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها ، فعيرت بالبخل{[61082]} .

وقال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل العِضَاهَ ، والشَّوك ، فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فكان صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير{[61083]} .

وقال مُرَّة الهمذاني : كانت أم جميل - لعنها الله - تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها على طريق المسلمين ، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح ، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها .

القول الثاني : أنه مجاز عن المشي بالنميمة ، ورمي الفتن بين الناس ؛ قال : [ الرجز ]

5346- إنَّ بَنِي الأدْرمِ حَمَّالُو الحطبْ *** هُمْ الوشَاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ

*** عليْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتَرَى والحَرَبْ{[61084]}***

وقال آخر : [ الطويل ]

5347- مِن البيضِ لَمْ تَصطَدْ عَلى ظَهْر لأمَةٍ*** لمْ تَمْشِ بَينَ الحَيِّ بالحطَبِ{[61085]} الرَّطبِ

وجعله رطباً تنبيهاً على تدخينه ، وهو غريب من ترشيح المجاز ، يعني لم تمش بالنمام .

وقال سعيد بن جبيرٍ : حمالة الخطايا ، والذنوب ، من قولهم : فلان يحتطب ظهره{[61086]} .

قال تعالى : { يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] .

وقرأ أبو قلابة{[61087]} : «حاملة الحطب » على وزن «فاعلة » ، وهي محتملة لقراءة العامة ، وقرأ عياض{[61088]} : «حمالة للحطب » بالتنوين وجر المفعول بلام زائدة تقوية للعامل كقوله تعالى : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] ، وأبو عمرو في رواية : «وامرأته » باختلاس الهاء دون إشباع .

/خ5


[61079]:ينظر: البحر المحيط 8/527، والدر المصون 6/586.
[61080]:ينظر: السبعة 700، والحجة 6/451، وإعراب القراءات 2/542، وحجة القراءات 776.
[61081]:الكشاف 4/815.
[61082]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/163)، وأخرجه الطبري (12/736).
[61083]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/736)، عن الضحاك وابن زيد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/702)، عن ابن زيد وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
[61084]:ينظر القرطبي 20/163، والبحر 8/528.
[61085]:البيت ليعقوب ينظر الكشاف 4/815، والقرطبي 20/163، والبحر 8/528، والدر المصون 6/586.
[61086]:ينظر: الماوردي (6/367)، والقرطبي (20/164).
[61087]:ينظر: المحرر الوجيز 5/535، والدر المصون 6/586.
[61088]:ينظر: الدر المصون 6/586.