المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ} (4)

وقوله تعالى : { وامرأته حمالة الحطب } هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان ، وعطف قوله { وامرأته } على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد ، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها ، وقال ابن عباس : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه ليعقرهم ، فلذلك سميت { حمالة الحطب } ، وعلى هذا التأويل ، ف { حمالة } معرفة يراد به الماضي ، وقيل : إن قوله { حمالة الحطب } استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها ، ف { حمالة } على هذا نكرة ، يراد بها الاستقبال ، وقيل : هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين ، كما تقول : فلان يحطب على فلان{[12019]} وفي حبل فلان ، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين ، وقال الشاعر : [ الرجز ]

إن بني الأدرم حمالوا الحطب *** هم الوشاة في الرضا وفي الغضب{[12020]}

وقرأ ابن مسعود ( ومريئته ) . وقرأ الجمهور : ( حمالة ) بالرفع{[12021]} ، وقرأ عاصم : ( حمالة ) بالنصب على الذم ، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن ، وقرأ ابن مسعود : ( حمالة للحطب ) بالرفع ولام الجر ، وقرأ أبو قلابة ( حاملة ) بكسر الميم بعد الألف .


[12019]:أي: يسعى به ويمشي بالنميمة بينه وبين الناس.
[12020]:استشهد بهذين البيتين القرطبي، وصاحب البحر المحيط، والشوكاني في فتح القدير، وزاد بعضهم بيتا ثالثا بعدهما يقول: عليهم اللعنة تترى والحرب. وبنو الأدرم: حي من قريش، وفي الصحاح أنهم قبيلة، والحرب: نهب مال الإنسان كله وتركه بلا شيء، يصفهم الشاعر بأنهم وشاة نمامون، يمشون بالفساد بين الناس. ومثل هذا قول الشاعر: من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ولم تمش بين الناس بالحطب الرطب أي أنها لم تمش بالنمائم بين الناس، وجعل الحطب رطبا ليدل على الدخان الذي هو زيادة في الشر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) وقال صلوات الله وسلامه عليه: (من شر الناس ذو الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوحه).
[12021]:فهو خبر (وامرأته).