الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ} (4)

{ وامرأته } أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ، وكانت عوراء . { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } يقال : الحديث والكذب . قال : ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : كانت تمشي بالنميمة ، يقول العرب : فلان يحطب على فلان ؛ إذا وشى وأغرى ، قال : شاعرهم :

من البيض لم يصطد على ظهر لامة *** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب

يعني لم يمش بالنمائم ، وقال آخر :

فلسنا كمن يرجى المقالة شطره *** يفرق العضاه الرطب والغيل اليبس

وروى معمر عن قتادة قال : كانت تعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب ، فعيّرت بذلك ، وهذا قول غير قوي ؛ لأن الله سبحانه وصفهم بالمال والولد ، وحمل الحطب ليس بعيب ، وقال الضحاك وابن زيد : كانت تأتي بالشوك والعضاه فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعقرهم ، وهي رواية عطية عن ابن عباس . قال الربيع بن أنس : كانت تنشر السعدان على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيطأه كما يطأ الحرير والفرند .

مرة الهمداني : كانت أم جميل تأتي كل يوم بأبالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح ، فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها .

وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا ، دليله قوله سبحانه :{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] ، وقول العرب : فلان يحطب على ظهره إذا أساء ، فلان حاطب قريته إذا كان الجاني فيهم ، وفلان محطوب عليه إذا كان مجنياً عليه .

وقراءة العامة بالرفع فيهما ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، ولها وجهان : أحدهما : سيصلى ناراً هو وامرأته حمالة الحطب ، والثاني : وامرأته حمالة الحطب في النار أيضاً .

وحجّة الرافعين ما أخبرنا محمد بن نعيم قال : أخبرنا الحسين بن أيوب قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : أخبرنا أبو عبيد قال : حدّثنا حجاج بن هارون قال : في قراءة عبد الله ( وامرأته حمالة للحطب ) . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محتضر والأعرج وعاصم { حَمَّالَةَ } بالنصب ، ولها وجهان : أحدهما الحال والقطع ؛ لأن أصله وامرأته الحمالة الحطب ، فلما ألقيت الألف واللام نصب الكلام ، والثاني على الذم والشتم كقوله سبحانه :{ مَّلْعُونِينَ } [ الأحزاب : 61 ] .

وروى ابن أبي الزياد عن أبيه قال : كان عامة العرب يقرؤون { حمالة الحطب } ، وقرأ أبو قلابة ( وامرأته حمالة الحطب ) على فاعله ، والحطب جمع ، واحدتها حطبة .

وقال : بعض أهل اللغة : الحطب ها هنا جمع الحاطب ، وهو الجانب المذنب ، يعني أنَّها كانت تحملهم بالنميمة على معاداته ، ونظيره من الكلام راصد و رصد ، و حارس وحرس ، وطالب وطلب ، وغائب وغيب ، والعلة في تشبيههم النميمة بالحطب هي أن الحطب يوقد ويضرم كذلك النميمة . قال : أكثم بن صيفي لبنيه : إياكم والنميمة ، فإنَّها نار محرقة ، وإن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر ، فأخذه الشاعر فقال :

إن النميمة نار ويك محرقة *** فعد عنها وحارب من تعاطاها

ولذلك قيل : نار الحقد لا تخبو .

والعلة الثانية : أن الحطب يصير ناراً ، والنار سبب التفريق ، فكذلك النميمة ، وأنشدني أبو القاسم [ الحبيبي ] قال : أنشدني أبو محمد الهاراني الجويني قال :

إنّ بني الأدرم حمالوا الحطب *** هم الوشاة في الرضا وفي الغضب

عليهم اللعنة تترى والحَرَبَ .