نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ} (4)

ولما أخبر سبحانه وتعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار ، وكان أشق ما على الإنسان هتك ما يصونه من حريمه ، حتى أنه يبذل نفسه دون ذلك ، لا سيما العرب ، فإنه لا يدانيهم في ذلك أحد ، زاده تحقيراً بذكر من يصونها معبراً عنها بما صدرها بأزرإ صورة وأشنعها ، فقال مشيراً إلى أن خلطة الأشرار غاية الخسار ، فإن الطبع وإن كان جيداً يسرق من الردىء ، فكيف إذا كان رديئاً ، وإن أرضى الناس بما يسخط الله أعظم الهلاك { وامرأته } أي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، مثل زوجها في التباب والصلي ، من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب ، وعدل عن ذكرها بكنيتها ؛ لأن صفتها القباحة ، وهي ضد كنيتها ، ومن هنا تؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه ، ثم وصفها بما أشار إليه ذنبها ، وأكمل قبيح صورتها فقال : { حمالة الحطب } أي الحاملة أقصى ما يمكن حمله من حطب جهنم بما كانت تمشي به ، وتبالغ فيه من حمل حطب البهت والنميمة الذي تحمل به على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ، وشدة أذاه ، وإيقاد نار الحرب والخصومة عليه صلى الله عليه وسلم ، من قول الشاعر :

من البيض لم تصطد على ظهر لأمة *** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب

أراد النميمة ، وعبر بالرطب للدلالة على زيادة الشر بما فيه من التدخين ، وشبهت النميمة بالحطب ؛ لأنها توقد الشر فتفرق بين الناس ، كما أن الحطب يكون وقوداً للنار فتفرقه ، وكذا بما كانت تحمل من الشوك وتنثره ليلاً في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه ، وكانت تفعله بنفسها من شدة عداوتها ، وتباشره ليلاً لتستخفي به ؛ لأنها كانت شريفة ، فلما نزلت سورة صوّرتها بأقبح صورة ، فكان ذلك أعظم فاضح لها . وقراءة عاصم بالنصب للقطع على الشتم تؤدي أن امرأته مبتدأ ، وأن الخبر { في جيدها } .