80- فلما انقطع منهم الأمل ، ويئسوا من قبول الرجاء ، اختلوا بأنفسهم يتشاورون في موقفهم من أبيهم ، فلما انتهى الرأي إلى كبيرهم المدبر لشئونهم قال لهم : ما كان ينبغي أن تنسوا عهدكم الموثق بيمين الله لأبيكم أن تحافظوا على أخيكم حتى تردوه إليه ، ولأنكم عاقدتموه من قبل على صيانة يوسف ثم ضيعتموه ، ولذلك سأبقى بمصر لا أفارقها ، إلا إذا فهم أبي الوضع على حقيقته ، وسمح لي بالرجوع إليه ، أو قضى الله لي بالرجوع الكريم ، ويسره لي بسبب من الأسباب ، وهو أعدل الحاكمين .
يئس إخوة يوسف من محاولة تخليص أخيهم الصغير ، فانصرفوا من عنده ، وعقدوا مجلسا يتشاورون فيه . وهم هنا في هذا المشهد يتناجون . والسياق لا يذكر أقوالهم جميعا . إنما يثبت آخرها الذي يكشف عما انتهوا إليه :
( فلما أستيأسوا منه خلصوا نجيا . قال كبيرهم : ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف ؟ فلن أبرح الارض حتى يأذن لي أبي ، أو يحكم الله لي ، وهو خير الحاكمين . ارجعوا إلى أبيكم فقولوا : يا أبانا إن ابنك سرق ، وما شهدنا إلا بما علمنا ، وما كنا للغيب حافظين . واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ، وإنا لصادقون ) . .
إن كبيرهم ليذكرهم بالموثق المأخوذ عليهم ، كما يذكرهم بتفريطهم في يوسف من قبل . ويقرن هذه إلى تلك ، ثم يرتب عليهما قراره الجازم : ألا يبرح مصر ، وألا يواجه أباه ، إلا أن يأذن له أبوه ، أو يقضي الله له بحكم ، فيخضع له وينصاع .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوَاْ أَنّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مّوْثِقاً مّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ حَتّىَ يَأْذَنَ لِيَ أَبِيَ أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } .
يعني تعالى ذكره : فَلَمّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين ويأخذ منهم واحدا مكانه وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك . وقوله : اسْتَيْأَسُوا استفعلوا ، من يئس الرجل من كذا ييأس . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَلَمّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ يئسوا منه ورأوا شدّته في أمره .
وقوله : خَلَصُوا نَجِيّا يقول بعضهم لبعض : يتناجون ، لا يختلط بهم غيرهم . والنجيّ جماعة القوم المنتجين يسمى به الواحد والجماعة ، كما يقال : رجل عدل ورجال عدل ، وقوم زور وفطر ، وهو مصدر من قول القائل : نجوت فلانا أنجوه نجيّا ، جعل صفة ونعتا . ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا قول الله تعالى : وَقَرّبْناهُ نَجِيّا فوصف به الواحد ، وقال في هذا الموضع : خَلَصوا نَجِيّا فوصف به الجماعة ، ويجمع النّجِيّ أنجية ، كما قال لبيد :
وشَهدْتُ أنْجِيَةَ الأُفاقَةِ عالِيا *** كَعْبِي وأرْدَافُ المُلُوكِ شُهُودُ
وقد يقال للجماعة من الرجال : نجوى ، كما قال جلّ ثناؤه : وَإذْ هُمْ نَجْوَى وقال : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ وهم القوم الذين يتناجون . وتكون النجوى أيضا مصدراكما قال الله : وإنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِتقول منه : نجوت أنجو نجوى ، فهي في هذا الموضع : المناجاة نفسها ، ومنه قول الشاعر :
بُنَيّ بَدَا خِبّ نَجْوَى الرّجالِ *** فَكُنْ عِنْدَ سِرّكَ خَبّ النّجِي
فالنجوى والنجيّ في هذا البيت بمعنى واحد ، وهو المناجاة ، وقد جمع بين اللغتين .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : خَلَصُوا نَجِيّا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : فَلَمّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّا وأخلص لهم شمعون ، وقد كان ارتهنه ، خَلَوْا بينهم نجيّا يتناجون بينهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : خَلَصُوا نَجِيّا خلصوا وحدهم نجيّا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : خَلَصُوا نَجِيّا : أي خلا بعضهم ببعض ، ثم قالوا : ماذا ترون .
وقوله : قالَ كَبِيرُهُمْ اختلف أهل العلم في المعنيّ بذلك ، فقال بعضهم : عنى به كبيرهم في العقل والعلم ، لا في السنّ ، وهو شمعون ، قالوا : وكان روبيل أكبر منه في الميلاد . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : قالَ كَبيرُهُمْ قال : هو شمعون الذي تخلف ، وأكبر منه ، وأكبر منهم في الميلاد روبيل .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قالَ كَبيرهُمْ : شمعون الذي تخلف ، وأكبر منه في الميلاد روبيل .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : قالَ كَبيرُهُمْ قال : شمعون الذي تخلف ، وأكبرهم في الميلاد روبيل .
وقال آخرون : بل عَنَى به كبيرهم في السنّ وهو روبيل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قالَ كَبيرُهُمْ وهو روبيل أخو يوسف ، وهو ابن خالته ، وهو الذي نهاهم عن قتله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : قالَ كَبيرهُمْ قال : رُوبيل ، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : قالَ كَبيرُهُمْ في العلم أنّ أباكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثقا مِنَ اللّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ . . . الآية ، فأقام روبيل بمصر ، وأقبل التسعة إلى يعقوب فأخبروه الخبر ، فبكى وقال : يا بنيّ ما تذهبون مرّة إلاّ نقصتم واحدا ، ذهبتم مرّة فنقصتم يوسف ، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون ، وذهبتم الاَن فنقصتم روبيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَلَمّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّا قال : ماذا ترون ؟ فقال رُوبيل كما ذُكر لي ، وكان كبير القوم : ألَمْ تَعْلَمُوا أنّ أباكمْ قَدْ أخَذَ عَلَيْكمْ مَوْثِقا مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنّنِي بِهِ إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرّطْتُمْ فِي يُوسُفَ . . . الآية .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال : عنى بقوله : قالَ كَبيرُهُمْ رُوبيل لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنّا ، ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم : فلان كبير القوم مطلقا بغير وصل إلاّ أحد معنيين ، إما في الرياسة عليهم والسؤدد وإما في السنّ ، فأما في العقل فإنهم إذا أرادوا ذلك وصلوه ، فقالوا : هو كبيرهم في العقل ، فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك فلا يفهم إلاّ ما ذكرت . وقد قال أهل التأويل : لم يكن لشمعون وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به على إخوته رياسة وسؤدد ، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله : قالَ كَبِيرُهُمْ فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلاّ الوجه الاَخر ، وهو الكبر في السنّ ، وقد قال الذين ذكرنا جميعا : رُوبيل كان أكبر القوم سنّا ، فصحّ بذلك القول الذي اخترناه .
وقوله : ألَمْ تَعْلَمُوا أنّ أباكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقا مِنَ اللّهِ يقول : ألم تعلموا أيها القوم أن أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهود الله ومواثيقه لنأتينه به جميعا ، إلاّ أن يُحاط بكم ، ومن قبل فعلتكم هذه تفريطكم في يوسف يقول : أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف . وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه ، كانت «ما » حينئذٍ في موضع نصب . وقد يجوز أن يكون قوله : وَمِنْ قَبْلُ ما فَرّطْتُمْ فِي يُوسُفَ خبرا مبتدأ ، ويكون قوله : ألَمْ تَعْلَمُوا أنّ أباكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقا مِنَ اللّهِ خبرا متناهيا ، فتكون «ما » حينئذٍ في موضع رفع ، كأنه قيل : ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف ، فتكون «ما » مرفوعة ب «من » قبل هذا ، ويجوز أن تكون «ما » التي تكون صلة في الكلام ، فيكون تأويل الكلام : ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف .
وقوله : فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ التي أنا بها وهي مصر فأفارقها ، حتى يَأْذَنَ لي أبي بالخروج منها ، كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ التي أنا بها اليوم ، حتى يَأْذَنَ لي أبِي بالخروج منها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال شمعون : لَنْ أبْرَحَ الأرْضَ حتى يَأْذَنَ لي أبِي أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لي وَهُوَ خَيْرُ الحاكمِينَ .
وقوله : أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لي : أو يفضَي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين ، وإلاّ فإني غير خارج : وَهُوَ خَيْرُ الحاكمينَ يقول : والله خير من حكم وأعدل من فصَل بين الناس .
وكان أبو صالح يقول في ذلك بما :
حدثني الحسين بن يزيد السبيعيّ ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : حتى يَأْذَنَ لي أبِي أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لي قال : بالسيف .
وكأن أبا صالح وجه تأويل قوله : أوْ يَحْكُمَ اللّهُ لي إلى : أو يفضي الله لي بِحَربَ مَنْ منعني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب ، فأحاربه .
{ فلما استيأسوا منه } يئسوا من يوسف وإجابته إياهم ، وزيادة السين والتاء للمبالغة . { خلطوا } انفردوا واعتزلوا . { نجيّاً } متناجين ، وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هم صديق ، وجمعه أنجية كندية وأندية . { قال كبيرهم } في السن وهو روبيل ، أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا . { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله } عهدا وثيقا ، وأنما جعل حلفهم بالله موثوقا منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته . { ومن قبل } ومن قبل هذا . { ما فرّطتم في يوسف } قصرتم في شأنه ، و{ ما } مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا ، ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف ، أو على اسم { أن } وخبره في { يوسف } أو { من قبل } أو الرفع بالابتداء والخبر { من قبل } وفيه نظر ، لأن { قبل } إذا كان خبرا أو صلة لا يقطع عن الإضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي : ما فرطتموه بمعنى ما قدمتوه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم . { فلن أبرح الأرض } فلن أفارق أرض مصر . { حتى يأذن لي أبي } في الرجوع . { أو يحكم الله لي } أو يقضي لي بالخروج منها ، أو بخلاص أخي منهم أو بالمقابلة معهم لتخليصه . وروي : أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل : أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ، ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه : قم إلى جنبه فسمه ، وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه . فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرا من برز يعقوب . { وهو خير الحاكمين } لأن حكمه لا يكون إلا بالحق .
وقوله : { فلما استيأسوا منه } الآية ، يقال : يئس واستيأس بمعنى واحد ، كما يقال : سخر واستسخر ، ومنه قوله تعالى : { يستسخرون }{[6767]} [ الصافات : 14 ] وكما يقال : عجب واستعجب ، ومنه قول أوس بن حجر : [ الطويل ]
ومستعجب مما يرى من أناتنا*** ولو زبنته الحرب لم يترمرم{[6768]}
ومنه نوك واستنوك{[6769]} - وعلى هذا يجيء قول الشاعر في بعض التأويلات : واستنوكت وللشباب نوك{[6770]} . وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ ابن كثير : «استأيسوا »{[6771]} و «لا تأيسوا »{[6772]} و «لا يأيس »{[6773]} و «حتى استأيس الرسل »{[6774]} أصله استأيسوا - استفعلوا - ومن أيس - على قلب الفعل من يئس إلى أيس ، وليس هذا كجذب وجبذ بل هذان أصلان والأول قلب ، دل على ذلك أن المصدر من يئس وأيس واحد ، وهو اليأس ، ولجذب وجبذ مصدران{[6775]} .
وقوله : { خلصوا نجياً } معناه انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضاً ، والنجي لفظ يوصف به من له نجوى واحداً أو جماعة أو مؤنثاً أو مذكراً ، فهو مثل عدو وعدل ، وجمعه أنجية ، قال لبيد :
وشهدت أنجية الأفاقة عالياً*** كعبي وأرداف الملوك شهود{[6776]}
و { كبيرهم } قال مجاهد : هو شمعون لأنه كان كبيرهم رأياً وتدبيراً وعلماً - وإن كان روبيل أسنهم - وقال قتادة : هو روبيل لأنه أسنهم ، وهذا أظهر ورجحه الطبري . وقال السدي : معنى الآية : وقال كبيرهم في العلم ، وذكرهم أخوهم الميثاق في قوله يعقوب { لتأتنني به إلا أن يحاط بكم } [ يوسف : 66 ] .
وقوله : { ما فرطتم } يصح أن تكون { ما } صلة في الكلام لا موضع لها من الإعراب . ويصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء والخبر قوله : { في يوسف } - كذا قال أبو علي - ولا يجوز أن يكون قوله : { من قبل } متعلقاً ب { فرطتم } .
قال القاضي أبو محمد : وإنما تكون - على هذا - مصدرية ، التقدير : من قبل تفريطكم في يوسف واقع أو مستقر ، وبهذا المقدر يتعلق قوله : { من قبل } . ويصح أن يكون في موضع نصب عطفاً ، على أن التقدير : وتعلموا تفريطكم أو تعلموا الذي فرطتم ، فيصح - على هذا الوجه - أن يكون بمعنى الذي ويصح أن تكون مصدرية{[6777]} .
وقوله تعالى : { فلن أبرح الأرض } أراد أرض القطر والموضع الذي ناله فيه المكروه المؤدي إلى سخط أبيه ، والمقصد بهذا اللفظ التحريج على نفسه والتزام التضييق ، كأنه سجن نفسه في ذلك القطر ليبلي عذراً{[6778]} .
وقوله : { أو يحكم الله لي } لفظ عام بجميع ما يمكن أن يرده من القدر كالموت أو النصرة وبلوغ الأمل وغير ذلك ، وقال أبو صالح : أو يحكم الله لي بالسيف . ونصب { يحكم } بالعطف على { يأذن } ، ويجوز أن تكون { أو } في هذا الموضع بمعنى إلا أن ، كما تقول : لألزمنك أو تقضيني حقي ، فتنصب على هذا { يحكم } ب { أو } .
وروي أنهم لما وصلوا إلى يعقوب بكى وقال : يا بني ما تذهبون عني مرة إلا نقصتم : ذهبتم فنقصتم يوسف ، ثم ذهبتم فنقصتم شمعون حيث ارتهن ، ثم ذهبتم فنقصتم بنيامين وروبيل .