المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

27- وأنت بما أنشأت ووضعت من الأسباب والسنن ، تُدْخِل من الليل في النهار ما يزيد به النهار طولا ، وتدخل من النهار في الليل ما يزيد به الليل طولا ، وتخرج المتصف بمظاهر الحياة من فاقدها ، كما تخرج فاقد الحياة من الحي المتمكن من أسباب الحياة ، وتهب عطاءك الواسع من تشاء كما تريد على نظام حكمتك ، فلا رقيب يحاسبك ، ومن كان هذا شأنه لا يعجزه أن يمنح رسوله وأصفياءه السيادة والسلطان والغنى واليسار كما وعدهم{[31]} .


[31]:دورة الحياة والموت هي معجزة الكون وسر الحياة نفسها، والسمات الرئيسية في هذه الدورة أن الماء وثاني أكسيد الكربون والنتروجين والأملاح غير العضوية في التربة تتحول بفضل طاقة الشمس والنباتات الخضراء وأنواع معينة من البكتريا إلى مواد عضوية هي مادة الحياة في النبات والحيوان. أما في الشق الثاني من هذه الدورة فتعود هذه المواد إلى عالم الموت في صورة نفايات الأحياء ونواتج أيضها وتنفسها. ثم في صورة أجسامها كلها عندما تموت وتستسلم لعوامل التحلل البكتيري والكيماوي التي تحيلها إلى مواد غير عضوية بسيطة مهيأة للدخول في دورة جديدة من دورات الحياة، وهكذا في كل لحظة من الزمان يخرج الخالق القدير حياة من الموت وموتا من الحياة وهذه الدورة المتكررة لا تتم إلا في وجود كائن أودعه الله سر الحياة كبذرة النبات مثلا. والآية الكريمة تذكر أولى الألباب بالمعجزة الأولى وهي خلق الحياة من مادة الأرض الميتة ثم تكرار الدورة كما سبق. وهكذا جاء في الآية الكريمة إخراج الحي من الميت سابقا لإخراج الميت من الحي وهذا هو الإعجاز بعينه.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

18

وهذه القوامة على شؤون البشر ، وهذا التدبير لأمرهم بالخير ، ليس إلا طرفا من القوامة الكبرى على شؤون الكون والحياة على الإطلاق :

( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ؛ وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ؛ وترزق من تشاء بغير حساب ) . .

والتعبير التصويري لهذه الحقيقة الكبيرة ، يملأ بها القلب والمشاعر والبصر والحواس : هذه الحركة الخفية المتداخلة . حركة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل ؛ وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي . . الحركة التي تدل على يد الله بلا شبهة ولا جدال ، متى القى القلب إليها انتباهه ، واستمع فيها إلى صوت الفطرة الصادق العميق .

وسواء كان معنى إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل هو أخذ هذا من ذاك وأخذ ذاك من هذا عند دورة الفصول . . أو كان هو دخول هذا في هذا عند دبيب الظلمة ودبيب الضياء في الأمساء والأصباح . . سواء كان هذا أو ذاك فإن القلب يكاد يبصر يد الله وهي تحرك الأفلاك ، وتلف هذه الكرة المعتمة أمام تلك الكرة المضيئة ، وتقلب مواضع الظلمة ومواضع الضياء . . شيئا فشيئا يتسرب غبش الليل إلى وضاءة النهار . وشيئا فشيئا يتنفس الصبح في غيابة الظلام . . شيئا فشيئا يطول الليل وهو يأكل من النهار في مقدم الشتاء . وشيئا فشيئا يطول النهار وهو يسحب من الليل في مقدم الصيف . . وهذه أو تلك حركة لا يدعي الإنسان أنه هو الذي يمسك بخيوطها الخفية الدقيقة ؛ ولا يدعي كذلك عاقل أنها تمضي هكذا مصادفة بلا تدبير !

كذلك الحياة والموت ، يدب أحدهما في الآخر في بطء وتدرج . كل لحظة تمر على الحي يدب فيه الموت إلى جانب الحياة ، ويأكل منه الموت وتبنى فيه الحياة ! خلايا حية منه تموت وتذهب ، وخلايا جديدة فيه تنشأ وتعمل . وما ذهب منه ميتا يعود في دورة أخرى إلى الحياة . وما نشأ فيه حيا يعود في دورة أخرى إلى الموت . . هذا في كيان الحي الواحد . . ثم تتسع الدائرة فيموت الحي كله ، ولكن خلاياه تتحول إلى ذرات تدخل في تركيب آخر ثم تدخل في جسم حي فتدب فيها الحياة . . وهكذا دورة دائبة في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . . ولا يدعي الإنسان أنه هو الذي يصنع من هذا كله شيئا . ولا يزعم عاقل كذلك أنها تتم هكذا مصادفة بلا تدبير !

حركة في كيان الكون كله وفي كيان كل حي كذلك . حركة خفية عميقة لطيفة هائلة . تبرزها هذه الإشارة القرآنية القصيرة للقلب البشري والعقل البشري ؛ وهي تشي بيد القادر المبدع اللطيف المدبر . . فأنى يحاول البشر أن ينعزلوا بتدبير شأنهم عن اللطيف المدبر ؟ وأنى يختارون لأنفسهم أنظمة من صنع أهوائهم وهم قطاع من هذا الكون الذي ينظمه الحكيم الخبير

ثم أنى يتخذ بعضهم بعضا عبيدا ، ويتخذ بعضهم بعضا أربابا ، ورزق الجميع بيد الله وكلهم عليه عيال :

( وترزق من تشاء بغير حساب ) . .

إنها اللمسة التي ترد القلب البشري إلى الحقيقة الكبرى . حقيقة الألوهية الواحدة . حقيقة القوامة الواحدة . وحقيقة الفاعلية الواحدة وحقيقة التدبير الواحد . وحقيقة المالكية الواحدة وحقيقة العطاء الواحد . ثم حقيقة أن الدينونة لا تكون إلا لله القيوم ، مالك الملك ، المعز المذل ، المحيي المميت ، المانح المانع ، المدبر لأمر الكون والناس بالقسط والخير على كل حال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { تُولِجُ } تدخل ، يقال منه : قد ولج فلان منزله : إذا دخله ، فهو يَلِجُهُ وَلْجا وَوُلُوجا ولِجَةً ، وأولجته أنا : إذا أدخلته . ويعني بقوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ } تدخل ما نقصت من ساعات الليل في ساعات النهار ، فتزيد من نقصان هذا في زيادة هذا . { وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } وتدخل ما نقصت من ساعات النهار في ساعات الليل ، فتزيد في ساعات الليل ما نقصت من ساعات النهار . كما :

حدثني موسى ، قال حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ } حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ، وتدخل النهار في الليل ، حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما نقص من النهار يجعله في الليل ، وما نقص من الليل يجعله في النهار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ } قال : ما ينقص من أحدهما يدخل في الاَخر متعاقبان أو يتعاقبان ، شكّ أبو عاصم ذلك من الساعات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { تُولِجُ اللّيْل فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيلِ } ما ينقص من أحدهما في الاَخر يتعاقبان في ذلك من الساعات .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } نقصان الليل في زيادة النهار ، ونقصان النهار في زيادة الليل .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } قال : هو نقصان أحدهما في الاَخر .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ } قال : يأخذ الليل من النهار ، ويأخذ النهار من الليل . يقول : نقصان الليل في زيادة النهار ، ونقصان النهار في زيادة الليل .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } يعني أنه يأخذ أحدهما من الاَخر ، فيكون الليل أحيانا أطول من النهار ، والنهار أحيانا أطول من الليل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } قال : هذا طويل ، وهذا قصير ، أخذ من هذا فأولجه في هذا حتى صار هذا طويلاً وهذا قصيرا .

القول في تأويل قوله تعالى : { وتُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : تأويل ذلك : أنه يخرج الشيء الحيّ من النطفة الميتة ، ويخرج النطفة الميتة من الشيء الحيّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة ، وهو حيّ ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة ، ويخرجها من الناس الأحياء والأنعام .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } فذكر نحوه .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } فالنطفة ميتة تكون تخرج من إنسان حيّ ، ويخرج إنسان حيّ من نطفة ميتة .

حدثني محمد بن عمر بن علي بن عطاء المقدمي ، قال : حدثنا أشعث السجستاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال تخرج النطفة من الرجل ، والرجل من النطفة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : تخرج الحيّ من هذه النطفة الميتة ، وتخرج هذه النطفة الميتة من الحيّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } . . . الاَية ، قال : الناس الأحياء من النطف ، والنطف ميتة من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبت كذلك . قال ابن جريج ، وسمعت يزيد بن عويمر يخبّر عن سعيد بن جبير ، قال : إخراجه النطفة من الإنسان ، وإخراجه الإنسان من النطفة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : النطفة ميتة ، فتخرج منها أحياء . { وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } تخرج النطفة من هؤلاء الأحياء ، والحبّ ميتة تخرج منه حيا . { وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } تخرج من هذا الحيّ حبا ميتا .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه يخرج النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والسنبل من الحبّ والحبّ من السنبل ، والبيض من الدجاج ، والدجاج من البيض . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا عبد الله ، عن عكرمة قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ } قال : هي البيضة تخرج من الحيّ وهي ميتة ، ثم يخرج منها الحيّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } يعني المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حيّ الفؤاد ، والكافر عبد ميت الفؤاد .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن .

حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن سعيد بن عمرو ، عن الحسن قرأ : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : تخرج المؤمن من الكافر ، وتخرج الكافر من المؤمن .

حدثني حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، أو عن ابن مسعود وأكبر ظني أنه عن سلمان قال : إن الله عزّ وجلّ خمّر طينة آدم أربعين ليلة أو قال : أربعين يوما ثم قال بيده فيه ، فخرج كل طيب في يمينه ، وخرج كل خبيث في يده الأخرى ، ثم خلط بينهما ، ثم خلق منها آدم ، فمن ثم يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحيّ ، يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه ، فإذا بامرأة حسنة النّعْمة ، فقال : «مَنْ هَذِهِ ؟ » قالت : إحدى خالاتك ، قال : «إنّ خالاتِي بِهَذِهِ البَلدةِ لغَرَائِبُ ! وأيّ خالاتِي هَذِهِ ؟ » قالت : خلْدة ابنة الأسود بن عبد يغوث ، قال : «سُبْحانَ الّذِي يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ » وكانت امرأة صالحة ، وكان أبوها كافرا .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : هل علمتم أن الكافر يلد مؤمنا ، وأن المؤمن يلد كافرا ؟ فقال : هو كذلك .

وأولى التأويلات التي ذكرناها في هذه الاَية بالصواب تأويل من قال : يخرج الإنسان الحيّ والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الميتة ، وذلك إخراج الحيّ من الميت ، ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحيّ والأنعام والبهائم الأحياء ، وذلك إخراج الميت من الحيّ ، وذلك أن كل حيّ فارقه شيء من جسده ، فذلك الذي فارقه منه ميت ، فالنطفة ميتة لمفارقتها جسد من خرجت منه ، ثم ينشىء الله منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما أحياء ، وكذلك حكم كل شيء حيّ زايله شيء منه ، فالذي زايله منه ميت ، وذلك هو نظير قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وكُنْتُمْ أمواتا فأحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُون } .

وأما تأويل من تأوّله بمعنى الحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة ، والبيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، فإن ذلك وإن كان له وجه مفهوم ، فليس ذلك الأغلب الظاهر في استعمال الناس في الكلام ، وتوجيه معاني كتاب الله عزّ وجلّ إلى الظاهر المستعمل في الناس ، أولى من توجيهها إلى الخفيّ القليل في الاستعمال .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة منهم : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } بالتشديد وتثقيل الياء من الميت ، بمعنى أنه يخرج الشيء الحيّ من الشيء الذي قد مات ، ومما لم يمت . وقرأت جماعة أخرى منهم : «تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيْتِ وَتُخْرِجُ الْمَيْتَ مِنَ الحَيّ » بتخفيف الياء من الميت . بمعنى أنه يخرج الشيء الحيّ من الشيء الذي قد مات دون الشيء الذي لم يمت ، وتخرج الشيء الميت دون الشيء الذي لم يمت من الشيء الحيّ ، وذلك أن الميت مثقل الياء عند العرب ما لم يمت وسيموت وما قد مات . وأما الميْت مخففا : فهو الذي قد مات ، فإذا أرادوا النعت قالوا : إنك مائت غدا وإنهم مائتون ، وكذلك كل ما لم يكن بعد ، فإنه يخرج على هذا المثال الاسم منه ، يقال : هو الجائد بنفسه والطائبة نفسه بذلك ، وإذا أريد معنى الاسم قيل : هو الجواد بنفسه والطيبة نفسه . فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى القراءتين في هذه الاَية بالصواب قراءة من شّدد الياء من الميّت ، لأن الله جلّ ثناؤه يخرج الحيّ من النطفة التي قد فارقت الرجل ، فصارت ميتة ، وسيخرجه منها بعد أن تفارقه وهي في صلب الرجل ، ويخرج الميت من الحيّ ، النطفة التي تصير بخروجها من الرجل الحيّ ميتا ، وهي قبل خروجها منه حية ، فالتشديد أبلغ في المدح أكمل في الثناء .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : أنه يعطي من يشاء من خلقه ، فيجود عليه بغير محاسبة منه لمن أعطاه ، لأنه لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه ، ولا الفناء على ما بيده . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } قال : يخرج الرزق من عنده بغير حساب ، لا يخاف أن ينقص ما عنده تبارك وتعالى .

فتأويل الاَية إذا : اللهمّ يا مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، دون من ادّعى الملحدون أنه لهم إلَه ورب وعبدوه دونك ، أو اتخذوه شريكا معك ، أو أنه لك ولد وبيدك القدرة التي تفعل هذه الأشياء ، وتقدر بها على كل شيء ، تولج الليل في النهار ، وتولج النهار في الليل ، فتنقص من هذا وتزيد في هذا ، وتنقص من هذا وتزيد في هذا ، وتخرج من ميت حيا ، ومن حيّ ميتا ، وترزق من تشاء بغير حساب من خلقك ، لا يقدر على ذلك أحد سواك ، ولا يستطيعه غيرك . كما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { تُولِجُ اللّيْلِ فِي النّهَارِ وتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وتُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتُ مِنَ الحَيّ } أي بتلك القدرة ، يعني بالقدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعه ممن تشاء ، وترزق من تشاء بغير حساب ، لا يقدر على ذلك غيرك ولا يصنعه إلا أنت . أي فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إلَه ، من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، والخلق للطير من الطين ، والخبر عن الغيوب لتجعله آية للناس ، وتصديقا له في نبوّته التي بعثته بها إلى قومه ، فإنّ من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه ، كتمليك الملوك ، وأمر النبوّة ووضعها حيث شئت ، وإيلاج الليل في النهار ، والنهار في الليل ، وإخراج الحيّ من الميت ، والميت من الحيّ ، ورزق من شئت من برّ أو فاجر بغير حساب ، فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ، ولم أملكه إياه ، فلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة ، إذ لو كان إلَها لكان ذلك كله إليه وهو في علمهم يهرب من الملوك ، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد .