فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

{ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } الولوج في الأصل الدخول . . . واستعير لزيادة زمان النهار في الليل وعكسه . . وقال الجبائي : المراد بإيلاج أحدهما في الآخر إيجاد كل واحد منهما عقيب الآخر-{[909]} . . { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } عن الحسن قال : تخرج المؤمن من الكافر وتخرج الكافر من المؤمن [ وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب تأويل من قال يخرج الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء من النطفة الميتة من الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء وذلك إخراج الميت من الحي وذلك أن كل حي فارقه شيء من جسده فذلك الذي فارقه منه ميت ، فالنطفة ميتة لمفارقتها جسد من خرجت منه ثم ينشئ الله منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما وأحياء . . فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي به يزعمون أنه إله : من إحياء الموتى وإبراء الأسقام والخلق للطير من الطين ، والخبر عن الغيوب لتجعله آية للناس وتصديقا له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه ، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه كتمليك الملوك وأمر النبوة ووضعها حيث شئت وإيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل وإخراج الحي من الميت والميت من الحي ورزق من شئت من بر أو فاجر بغير حساب فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه فلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة إذ لو كان إلها لكان ذلك كله إليه وهو في علمهم يهرب من الملوك وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد ]{[910]} .

{ اللهم } قال جمهور النحويين أصل اللهم يا الله فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو ( يا ) جعلوا بدله هذه الميم المشددة والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد ، قال النضر بن شميل : من قال ( اللهم ) فقد دعا الله بجميع أسماءه و{ مالك } منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان أي يا مالك الملك – وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي خاتم الأنبياء على الإطلاق ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية وكشفه له عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار-{[911]}


[909]:من روح المعاني وقد أورد صاحبها نقولا مطولة.
[910]:ما بين العلامتين [] من جامع البيان.
[911]:من تفسير القرآن العظيم.