جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { تُولِجُ } تدخل ، يقال منه : قد ولج فلان منزله : إذا دخله ، فهو يَلِجُهُ وَلْجا وَوُلُوجا ولِجَةً ، وأولجته أنا : إذا أدخلته . ويعني بقوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ } تدخل ما نقصت من ساعات الليل في ساعات النهار ، فتزيد من نقصان هذا في زيادة هذا . { وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } وتدخل ما نقصت من ساعات النهار في ساعات الليل ، فتزيد في ساعات الليل ما نقصت من ساعات النهار . كما :

حدثني موسى ، قال حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ } حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ، وتدخل النهار في الليل ، حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما نقص من النهار يجعله في الليل ، وما نقص من الليل يجعله في النهار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ } قال : ما ينقص من أحدهما يدخل في الاَخر متعاقبان أو يتعاقبان ، شكّ أبو عاصم ذلك من الساعات .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { تُولِجُ اللّيْل فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيلِ } ما ينقص من أحدهما في الاَخر يتعاقبان في ذلك من الساعات .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } نقصان الليل في زيادة النهار ، ونقصان النهار في زيادة الليل .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } قال : هو نقصان أحدهما في الاَخر .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ } قال : يأخذ الليل من النهار ، ويأخذ النهار من الليل . يقول : نقصان الليل في زيادة النهار ، ونقصان النهار في زيادة الليل .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } يعني أنه يأخذ أحدهما من الاَخر ، فيكون الليل أحيانا أطول من النهار ، والنهار أحيانا أطول من الليل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ } قال : هذا طويل ، وهذا قصير ، أخذ من هذا فأولجه في هذا حتى صار هذا طويلاً وهذا قصيرا .

القول في تأويل قوله تعالى : { وتُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : تأويل ذلك : أنه يخرج الشيء الحيّ من النطفة الميتة ، ويخرج النطفة الميتة من الشيء الحيّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة ، وهو حيّ ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة ، ويخرجها من الناس الأحياء والأنعام .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } فذكر نحوه .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } فالنطفة ميتة تكون تخرج من إنسان حيّ ، ويخرج إنسان حيّ من نطفة ميتة .

حدثني محمد بن عمر بن علي بن عطاء المقدمي ، قال : حدثنا أشعث السجستاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال تخرج النطفة من الرجل ، والرجل من النطفة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : تخرج الحيّ من هذه النطفة الميتة ، وتخرج هذه النطفة الميتة من الحيّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } . . . الاَية ، قال : الناس الأحياء من النطف ، والنطف ميتة من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبت كذلك . قال ابن جريج ، وسمعت يزيد بن عويمر يخبّر عن سعيد بن جبير ، قال : إخراجه النطفة من الإنسان ، وإخراجه الإنسان من النطفة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : النطفة ميتة ، فتخرج منها أحياء . { وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } تخرج النطفة من هؤلاء الأحياء ، والحبّ ميتة تخرج منه حيا . { وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } تخرج من هذا الحيّ حبا ميتا .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه يخرج النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والسنبل من الحبّ والحبّ من السنبل ، والبيض من الدجاج ، والدجاج من البيض . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا عبد الله ، عن عكرمة قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ } قال : هي البيضة تخرج من الحيّ وهي ميتة ، ثم يخرج منها الحيّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } يعني المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حيّ الفؤاد ، والكافر عبد ميت الفؤاد .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن .

حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن سعيد بن عمرو ، عن الحسن قرأ : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : تخرج المؤمن من الكافر ، وتخرج الكافر من المؤمن .

حدثني حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، أو عن ابن مسعود وأكبر ظني أنه عن سلمان قال : إن الله عزّ وجلّ خمّر طينة آدم أربعين ليلة أو قال : أربعين يوما ثم قال بيده فيه ، فخرج كل طيب في يمينه ، وخرج كل خبيث في يده الأخرى ، ثم خلط بينهما ، ثم خلق منها آدم ، فمن ثم يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحيّ ، يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه ، فإذا بامرأة حسنة النّعْمة ، فقال : «مَنْ هَذِهِ ؟ » قالت : إحدى خالاتك ، قال : «إنّ خالاتِي بِهَذِهِ البَلدةِ لغَرَائِبُ ! وأيّ خالاتِي هَذِهِ ؟ » قالت : خلْدة ابنة الأسود بن عبد يغوث ، قال : «سُبْحانَ الّذِي يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ » وكانت امرأة صالحة ، وكان أبوها كافرا .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } قال : هل علمتم أن الكافر يلد مؤمنا ، وأن المؤمن يلد كافرا ؟ فقال : هو كذلك .

وأولى التأويلات التي ذكرناها في هذه الاَية بالصواب تأويل من قال : يخرج الإنسان الحيّ والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الميتة ، وذلك إخراج الحيّ من الميت ، ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحيّ والأنعام والبهائم الأحياء ، وذلك إخراج الميت من الحيّ ، وذلك أن كل حيّ فارقه شيء من جسده ، فذلك الذي فارقه منه ميت ، فالنطفة ميتة لمفارقتها جسد من خرجت منه ، ثم ينشىء الله منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما أحياء ، وكذلك حكم كل شيء حيّ زايله شيء منه ، فالذي زايله منه ميت ، وذلك هو نظير قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وكُنْتُمْ أمواتا فأحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُون } .

وأما تأويل من تأوّله بمعنى الحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة ، والبيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، فإن ذلك وإن كان له وجه مفهوم ، فليس ذلك الأغلب الظاهر في استعمال الناس في الكلام ، وتوجيه معاني كتاب الله عزّ وجلّ إلى الظاهر المستعمل في الناس ، أولى من توجيهها إلى الخفيّ القليل في الاستعمال .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة منهم : { تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وَتُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ } بالتشديد وتثقيل الياء من الميت ، بمعنى أنه يخرج الشيء الحيّ من الشيء الذي قد مات ، ومما لم يمت . وقرأت جماعة أخرى منهم : «تُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيْتِ وَتُخْرِجُ الْمَيْتَ مِنَ الحَيّ » بتخفيف الياء من الميت . بمعنى أنه يخرج الشيء الحيّ من الشيء الذي قد مات دون الشيء الذي لم يمت ، وتخرج الشيء الميت دون الشيء الذي لم يمت من الشيء الحيّ ، وذلك أن الميت مثقل الياء عند العرب ما لم يمت وسيموت وما قد مات . وأما الميْت مخففا : فهو الذي قد مات ، فإذا أرادوا النعت قالوا : إنك مائت غدا وإنهم مائتون ، وكذلك كل ما لم يكن بعد ، فإنه يخرج على هذا المثال الاسم منه ، يقال : هو الجائد بنفسه والطائبة نفسه بذلك ، وإذا أريد معنى الاسم قيل : هو الجواد بنفسه والطيبة نفسه . فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى القراءتين في هذه الاَية بالصواب قراءة من شّدد الياء من الميّت ، لأن الله جلّ ثناؤه يخرج الحيّ من النطفة التي قد فارقت الرجل ، فصارت ميتة ، وسيخرجه منها بعد أن تفارقه وهي في صلب الرجل ، ويخرج الميت من الحيّ ، النطفة التي تصير بخروجها من الرجل الحيّ ميتا ، وهي قبل خروجها منه حية ، فالتشديد أبلغ في المدح أكمل في الثناء .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : أنه يعطي من يشاء من خلقه ، فيجود عليه بغير محاسبة منه لمن أعطاه ، لأنه لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه ، ولا الفناء على ما بيده . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } قال : يخرج الرزق من عنده بغير حساب ، لا يخاف أن ينقص ما عنده تبارك وتعالى .

فتأويل الاَية إذا : اللهمّ يا مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، دون من ادّعى الملحدون أنه لهم إلَه ورب وعبدوه دونك ، أو اتخذوه شريكا معك ، أو أنه لك ولد وبيدك القدرة التي تفعل هذه الأشياء ، وتقدر بها على كل شيء ، تولج الليل في النهار ، وتولج النهار في الليل ، فتنقص من هذا وتزيد في هذا ، وتنقص من هذا وتزيد في هذا ، وتخرج من ميت حيا ، ومن حيّ ميتا ، وترزق من تشاء بغير حساب من خلقك ، لا يقدر على ذلك أحد سواك ، ولا يستطيعه غيرك . كما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { تُولِجُ اللّيْلِ فِي النّهَارِ وتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وتُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ وتُخْرِجُ المَيّتُ مِنَ الحَيّ } أي بتلك القدرة ، يعني بالقدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعه ممن تشاء ، وترزق من تشاء بغير حساب ، لا يقدر على ذلك غيرك ولا يصنعه إلا أنت . أي فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إلَه ، من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، والخلق للطير من الطين ، والخبر عن الغيوب لتجعله آية للناس ، وتصديقا له في نبوّته التي بعثته بها إلى قومه ، فإنّ من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه ، كتمليك الملوك ، وأمر النبوّة ووضعها حيث شئت ، وإيلاج الليل في النهار ، والنهار في الليل ، وإخراج الحيّ من الميت ، والميت من الحيّ ، ورزق من شئت من برّ أو فاجر بغير حساب ، فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ، ولم أملكه إياه ، فلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة ، إذ لو كان إلَها لكان ذلك كله إليه وهو في علمهم يهرب من الملوك ، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد .