لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

قوله تعالى : { تولج اللّيل في النهار } الآية . لما ذكر الله تعالى أنه مالك الملك أردفه بذكر قدرته الباهرة في حال الليل والنهار ، وفي المعاقبة بينهما وحال إخراج الحي من الميت ثم عطف عليه أنه يرزق من يشاء بغير حساب ، وفي ذلك دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة لذوي الأفهام والعقول ، فهو قادر أن ينزع الملك من فارس والروم واليهود ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم فقوله تعالى : { تولج الليل في النهار } يعني تدخل الليل في النهار وهو أن تجعل الليل قصيراً وما نقص منه زائداً في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة ذلك غاية طول النهار ، ويكون الليل تسع ساعات وذلك غاية قصر الليل . { وتولج النهار في الليل } حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة وذلك غاية طوله ، ويكون النهار تسع ساعات وذلك غاية قصره ، وقيل : المراد أنه تعالى يأتي بسواد الليل عقيب ضوء النهار ، ويأتي بضوء النهار بعد ظلمة الليل والقول الأول أصح وأقرب إلى معنى الآية لأنه إذا نقص الليل كان ذلك القدر زيادة في النهار وبالعكس وهو معنى الولوج . { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } وهو أنه تعالى يخرج الإنسان الحي من النطفة وهي ميتة ، ويخرج النطفة من الإنسان ويخرج الفرخ وهو حي من البيضة وهي ميتة وبالعكس ، وكذلك سائر الحيوان . وقيل : يخرج النبات الغض الأخضر من الحب اليابس ، ويخرج النخلة من النواة وبالعكس . وقيل : معناه أنه تعالى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن لأن المؤمن حي الفؤاد ، والكافر ميته . { وترزق من تشاء بغير حساب } يعني من غير تضييق ولا تقتير ، بل تبسط الرزق لمن تشاء وتوسعه عليه . قوله عز وجل : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين }

قال ابن عباس : كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفرٍ من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم ، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقيل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة . وقيل : نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتولون المشركون واليهود ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنين عن مثل ذلك . وقيل : إن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود فقال يوم الأحزاب : يا رسول الله إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو فنزلت هذه الآية .