الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : يأخذ الصيف من الشتاء ويأخذ الشتاء من الصيف { وتخرج الحي من الميت } يخرج الرجل الحي من النطفة الميتة { وتخرج الميت من الحي } يخرج النطفة الميتة من الرجل الحي .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : قصر أيام الشتاء في طول ليله ، وقصر ليل الصيف في طول نهاره .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : ما نقص من الليل يجعله في النهار وما نقص من النهار يجعله في الليل .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { تولج الليل في النهار } حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات { وتولج النهار في الليل } حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : أخذ أحدهما من صاحبه .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : يأخذ النهار من الليل حتى يكون أطول منه ويأخذ الليل من النهار حتى يكون أطول منه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { تخرج الحي من الميت } قال : يخرج النطفة الميتة من الحي ، ثم يخرج من النطفة بشرا حيا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة تخرج من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبات كذلك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة { تخرج الحي من الميت } قال : هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة ثم يخرج منها الحي .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك . مثله .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حي الفؤاد والكافر عبد ميت الفؤاد .

وأخرج سعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال : خمر الله طينة آدم أربعين يوما ، ثم وضع يده فيه فارتفع على هذه كل طيب ، وعلى هذه كل خبيث ، ثم خلط بعضه ببعض ، ثم خلق منها آدم . فمن ثم { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن .

وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله آدم عليه السلام أخرج ذريته فقبض قبضة بيمينه فقال : هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي ، وقبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كل رديء فقال : هؤلاء أهل النار ولا أبالي ، فخلط بعضهم ببعض فيخرج الكافر من المؤمن ويخرج المؤمن من الكافر . فذلك قوله { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } " .

وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أو عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قال : " المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن " .

وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الزهري في قوله { تخرج الحي من الميت } عن عبد الله بن عبد الله أن خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذه ؟ قيل : خالدة بنت الأسود قال : سبحان الله الذي يخرج الحي من الميت . وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا .

وأخرج ابن مسعود من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ " يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " خفيفة .

وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب أنه قرأ " يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " وقرأ ( إلى بلد ميت ) ( فاطر الآية 9 ) مثقلات كلهن .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { وترزق من تشاء بغير حساب } قال : لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده . إن الله لا ينقص ما عنده .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران { بغير حساب } قال : غدقا .

وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } أي بتلك القدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعها ممن تشاء { وترزق من تشاء بغير حساب } لا يقدر على ذلك غيرك ، ولا يصنعه إلا أنت . أي وإن كنت سلطت عيسى عليه السلام على الأشياء التي يزعمونه إنه إله ، من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، وخلق الطير من الطين ، والخبر عن الغيوب لأجعله به آية للناس ، وتصديقا له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه ، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه ، تمليك الملوك بأمر النبوة ووضعها حيث شئت ، وإيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل ، وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ، ورزق من شئت من بر وفاجر بغير حساب ، وكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه ، أفلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان له إلها كان ذلك كله إليه ، وهو في علمهم يهرب من الملوك ، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد .