فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب 27 لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير 28 )

( تولج الليل في النهار ) وهو أن تجعل الليل قصيرا وما نقص منه زائدا في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة ، وذلك غاية طول النهار ، ويكون الليل تسع ساعات وذلك غاية قصر الليل ، وفيه دلالة على أن من قدر على أمثال هذه الأمور العظام المحيرة للعقول والإفهام ، فقدرته على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم أهون عليه من كل هين ، يقال ولج يلج من باب وعد ولوجا ولجة كعدة والولوج الدخول والإيلاج الإدخال .

( وتولج النهار في الليل ) أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة وذلك غاية طوله ، ويكون النهار تسع ساعات وذلك غاية قصره ، وقيل المعنى تعاقب بينهما ويكون زوال أحدهما ولوجا في الآخر والأول أولى ، قال ابن مسعود تأخذ الصيف من الشتاء وتأخذ الشتاء من الصيف .

( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) قيل المراد إخراج الحيوان وهو حي من النطفة وهي ميتة ، وإخراج النطفة وهي ميتة من الحيوان وهو حي ، وقيل المراد إخراج الطائر وهو حي من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية ، وقال عكرمة النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة .

وعن الحسن قال المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حي الفؤاد ، والكافر عبد ميت الفؤاد .

قلت ويدل له قوله تعالى ( أو من كان ميتا فأحييناه ) وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن حاتم وابن مردويه عن عبيد الله بن عبد الله : أن خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : من هذه قيل : خالدة بنت الأسود ، قال : سبحان الذي يخرج الحي من الميت ، وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا ، وأخرج ابن سعد عن عائشة مثله .

( وترزق من تشاء بغير حساب ) أي بغير تضييق ولا تقتير بل تبسط الرزق لمن تشاء و توسعه عليه كما تقول فلان يعطي بغير حساب إذ المحسوب يقال للقليل .

قال أبو عباس المقري : ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه ، بمعنى التعب قال تعالى ( وترزق من تشاء بغير حساب ) وبمعنى العدد قال تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وبمعنى المطالبة قال تعالى ( فامنن أو امسك بغير حساب ) .