لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

تولج الليل في النهار حتى يَغْلِبَ سلطانُ ضياءِ التوحيد فلا يَبْقَى من آثار النفس وظلماتها شيءٌ ، وتولج النهار في الليل حتى كأن شموسَ القلوب كُسِفَت ، أو كأن الليل دام ، وكأن الصبح فُقِد .

وتخرج الحي من الميت حتى كأن الفترة لم تكن ، وعهد الوصال رجع فَتيَّاً ، وعُودُ القلوبِ صار غضّاً طريَّاً .

وتخرج الميت من الحي حتى كأن شجرة البرم أورقت شوكاً وأزهرت شوكاً ، وكأن اليائس لم يجد خيراً ، ولم يشم ريحاً ، وتقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة .

{ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } .

حتى لا ( كدر ) ولا جُهْدَ ولا عَرَقَ جبينٍ ، ولا تَعَبَ يمينٍ ، لَيْلُهُ روحْ وراحة ، ونهارُه طرب وبهجة ، وساعاته كرامات ، ولحظاته قُرُبات ، وأجناس أفعاله على التفصيل لا يحصرها لسان ، ولا يأتي على استقصاء كنهها عبارة ولا بيان .

وفيما لوَّحنا من ذلك تنبيه على طريق كيفية الإفصاح عنه .

ويقال لما قال : { وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ } انكسر خُمَارُ كلِّ ظانٍّ أنه مَلِكٌ لأنه شاهد مُلكِهِ يعرض للزوال فَعَلِمَ أن التذلل إليه في استبقاء ملكه أولى من الإعجاب والإدلال .

ويقال المَلِكُ في الحقيقة - مَنْ لا يشغله شيء بالالتفات إليه عن شهود من هو المَلِكُ على الحقيقة .