التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

قوله : ( تولج الليل في النهار ) الولوج بمعنى الدخول{[440]} والمراد في هذه الآية أن الله يأخذ من ساعات الليل فيجعلها في ساعات النهار فيكون الليل بذلك قصيرا ويجعل ذلك القدر الزائد داخلا في النهار . وتارة على العكس من ذلك . وهو أن الله يأخذ من ساعات النهار فيجعلها في ساعات الليل فيكون النهار بذلك قصيرا . أي أنه يزيد في ساعات الليل ما نقصه من ساعات النهار . وفي جملة ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما : ما نقص من النهار يجعله في الليل وما نقص من الليل يجعله في النهار .

قوله : ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) لمعرفة تأويل ذلك نقول : هل الحياة والموت في هذه الآية على الحقيقة أو من باب الاستعارة ؟

فإن كان ذلك على الحقيقة فمثاله : إخراج السنبلة من الحبة وبالعكس ، وكذا النخلة من النواة وبالعكس ، وكذا الحيوان من النطفة وبالعكس .

وإن كان ذلك من باب الاستعارة فمثاله : يخرج المؤمن من الكافر ، كإبراهيم من أبيه المشرك آزر . والكافر من المؤمن ، مثل كنعان المشرك من أبيه نوح عليه السلام . أو يخرج الطيب من الخبيث وبالعكس . فقد ذكر أن الكلمة محتملة للكل ، أما الكفر والإيمان فقال تعالى : ( أو من كان ميتا فأحييناه ) يريد أنه كان كافرا فهديناه فجعل الموت كفرا والحياة إيمانا ، وسمي إخراج النبات من الأرض إحياء بعد أن كانت قبل ذلك ميتة فقال : ( يحيي الأرض بعد موتها ) وقال : ( فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها ) .

وقوله : ( وترزق من تشاء بغير حساب ) جاء في تأويل ذلك : إن الله تعالى يعطي من يشاء من خلقه فيجود عليه بغير محاسبة منه لمن أعطاه ؛ لأنه لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه ولا الفناء على ما بيده . وقيل : يعطي من يشاء ما يشاء لا يحاسبه على ذلك أحد ؛ إذ ليس فوقه ملك يحاسبه ، بل هو الملك يعطي من يشاء بغير حساب ، وقيل : ترزق من تشاء غير مقدور ولا محدود ، بل تبسطه له وتوسعه عليه ، كما يقال : فلان ينفق بغير حساب إذا وصف عطاؤه بالكثرة{[441]} .


[440]:- مختار الصحاح ص 735.
[441]:- تفسير الطبري جـ 3 ص 149-151 وتفسير ابن كثير جـ 1 ص 356 وتفسير الرازي جـ 8 ص 2- 10 وتفسير البيضاوي ص 71 والكشاف للزمخشري جـ 1 ص 421.