الآية 27 وقوله تعالى : { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } وقوله : { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } [ وفي نحو ]{[3728]} ذلك وجوه من الأدلة :
أحدها : أن يعلم أن الله جل وعلا [ يبين ]{[3729]} في ما يخلق على معونة الأسباب وتوليد الطبائع ، لأن الأسباب تكون بموضع الإشكال ، وكذلك الطباع تولد الذي في جوهره ونحو الحار يولد الحرارة ، والبارد يولد البرودة ، فيبين الله تعالى الإنشاء على أحوال التضاد ليعلم أنه القادر على اجتماع ما شاء ، ثم شاء بلا معونة من ذلك ، ولا توليد ، ولا قوة إلا بالله .
والوجه الثاني : أنه جرى تقدير ذلك على ما [ لا ]{[3730]} تفاوت له ، ولا اختلاف في اختلاف الأعوام ليعلم أنها مسواة على التدبير ، أحكمه{[3731]} على ذلك العزيز الحكيم الذي لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه أمر ، وليعلم أن الذي قدر على ذلك واحد ، إذ لم يختلف ، ولم يتناقض ، ولا قوة إلا بالله .
وأيضا : أنه صير كل جوهر إحداث الآخر ، كأنه لم يكن قط ، ولا كان بقي له أثر ، ثم رده بالوصف الذي كان حتى لا يفوت منه شيء حتى لا سبيل إلى العلم بالتفضيل بينهما ليعلم أن قدرته على البعث بعد أن يفني كل الأجزاء والآثار{[3732]} ، ولا قوة إلا بالله .
وأيضا : أنه إذا بني الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة وعجيب التدبير لم يجز أن يكون فعله خارجا على [ العبث ] ، ثم في رفع المحنة وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة ، ثم من الترغيب في ما يملك من النعمة والترهيب بما{[3733]} عنده من النقمة إبطال الحكمة والتقرير العالم مع ما ذكرت على البعث ، وذلك فاسد في العقول ، وموجود في الجواهر عظم حكمة منشئها . ثبت بذلك العبادة والرسالة والجزاء ، ولا قوة إلا بالله .
وقوله تعالى : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } إلى آخره : يحتمل وجهين : يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان أتاهم مرة ، ثم تنزع أي تمنع ابتداء من غير أن كان أتاهم ، ثم تنزع ، كقوله : { رفع السماوات بغير عمد } [ الرعد : 2 ] رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة ، فرفعها ، وكقوله : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } [ البقرة / 257 ] إخراج الابتداء ، لا أن كانوا فيها ، ثم أخرجهم . فعلى هذا
[ وعلى ]{[3734]} ذلك قوله : { يولج اليل في النهار ويولج النهار في الليل } إيلاج الابتداء ، لا أن كان أحدهما في الآخر كقوله تعالى : { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا } [ القصص : 71 ] [ إلى يوم القيامة والنهار سرمدا ]{[3735]} أخبر أنه لم يجعل واحدا منهما مؤبدا .
وكذلك قوله : { ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } [ يونس : 31 ] [ إخراج الابتداء : أن يخلق الحي من الميت ابتداء ، ويخلق الميت من الحي ]{[3736]} من غير أن كان فيه . ويحتمل هذا كله : أن كان يؤتي الملك بعد أن لم يكن ، ويعز بعد الذل ، وينزع الملك بعد أن كان فيه . ويذل بعد أن كان العز . وكذا قوله : { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } أن يدخل هذا{[3737]} في هذا ، وهذا في هذا .
وقوله تعالى : { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قيل : أن يخرج حي الأقوال من ميت الأفعال [ وميت الأفعال ]{[3738]} من حي الأقوال ، يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن على ما سمى الله تعالى الكافر ميتا والمؤمن حيا في غير موضع من القرآن ، وقيل : يخرج حي الجوهر من ميت الجوهر وميت الجوهر من حي الجوهر ، وقيل : يخرج /57-ب/ الحي من المني ، ويخرج المني من الحي ، وقيل : البيضة من الحي ، والحي من البيضة ، وقيل : يخرج النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة .
وقوله تعالى : { وترزق من تشاء بغير حساب } [ قيل : لا ]{[3739]} يعرف الخلق عدده ومقداره ، وقيل : بغير تبعة ولا طلبة ، أي لا يحاسبهم في ما أعطاهم من بعدما أعطاهم ، ويحتمل : { بغير حساب } أي لا يعطيهم أعمالهم ، ولكن بتفضل خلافا للعدل ، ويحتمل { بغير حساب } في الآخرة .
وعن ابن عباس رضي الله عنه : { بغير هنداز [ وهي كلمة ]{[3740]} فارسية معربة ، وعن مقاتل : ( لا يقدر ذلك غيره [ كأنه ]{[3741]} يقول : ليس فوقي ملك يحاسبني ، والله أعلم ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.