المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

40- إن الذين يميلون عن الصراط السوي في شأن آياتنا ، ويزيغون عنها تكذيباً لها ، لا يغيب عنا أمرهم وما يقصدون ، وسنجازيهم بما يستحقون ، أفمَن يرمى في النار خير أم من يأتي مطمئنا يوم القيامة إلى نجاته من كل سوء ؟ قل لهم متوعداً : اعملوا ما أردتم ، إن الله محيط بصره بكل شيء ، فيجازى كلا بعمله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

37

وأمام مشهد هذه الآيات الكونية ذات الأثر الشعوري العميق يجيء التنديد والتهديد لمن يلحدون في هذه الآيات الظاهرة الباهرة ؛ فيكفرون بها ، أو يغالطون فيها :

( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا . أفمن يلقى في النار خير ? أم من يأتي آمناً يوم القيامة . اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ) .

ويبدأ التهديد ملفوفاً ولكنه مخيف : ( لا يخفون علينا ) . . فهم مكشوفون لعلم الله . وهم مأخوذون بما يلحدون ، مهما غالطوا والتووا ، وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله كما قد يفلتون بالمغالطة من حساب الناس .

ثم يصرح بالتهديد : أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة ? . . وهو تعريض بهم ، وربما ينتظرهم من الإلقاء في النار والخوف والفزغ ، بالمقابلة إلى مجيء المؤمنين آمنين .

وتنتهي الآية بتهديد آخر ملفوف : ( اعملوا ما شئتم . إنه بما تعملون بصير ) . . ويا خوف من يترك ليعمل فيلحد في آيات الله . والله بما يعمل بصير .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيَ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىَ فِي النّارِ خَيْرٌ أَم مّن يَأْتِيَ آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : إنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا إن الذين يميلون عن الحقّ في حججنا وأدلتنا ، ويعدلون عنها تكذيبا بها وجحودا لها . وقد بيّنت فيما مضى معنى اللحد بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .

وسنذكر بعض اختلاف المختلفين في المراد به من معناه في هذا الموضع . اختلف أهل التأويل في المراد به من معنى الإلحاد في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أريد به معارضة المشركين القرآن باللغط والصفير استهزاء به . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قال : المُكَاء وما ذكر معه .

وقال بعضهم : أريد به الخبر عن كذبهم في آيات الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِناقال : يكذّبون في آياتنا .

وقال آخرون : أريد به يعاندون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قال : يشاقّون : يعاندون .

وقال آخرون : أريد به الكفر والشرك . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا قال : هؤلاء أهل الشرك وقال : الإلحاد : الكفر والشرك .

وقال آخرون : أريد به الخبر عن تبديلهم معاني كتاب الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا قال : هو أن يوضع الكلام على غير موضعه .

وكلّ هذه الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك قريبات المعاني ، وذلك أن اللحد والإلحاد : هو الميل ، وقد يكون ميلاً عن آيات الله ، وعدولاً عنها بالتكذيب بها ، ويكون بالاستهزاء مُكاء وتَصْدِية ، ويكون مفارقة لها وعنادا ، ويكون تحريفا لها وتغييرا لمعانيها .

ولا قول أولى بالصحة في ذلك مما قلنا ، وأن يعم الخبر عنهم بأنهم ألحدوا في آيات الله ، كما عمّ ذلك ربنا تبارك وتعالى .

وقوله : لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا يقول تعالى ذكره : نحن بهم عالمون لا يخفون علينا ، ونحن لهم بالمرصاد إذا وردوا علينا ، وذلك تهديد من الله جلّ ثناؤه لهم بقوله : سيعلمون عند ورودهم علينا ماذا يلقون من أليم عذابنا ، ثم أخبر جلّ ثناؤه عما هو فاعل بهم عند ورودهم عليه ، فقال : أفمَنْ يُلْقَى فِي النّار خَيْر أمْ مَنْ يأْتِي آمِنا يَوْمَ القِيَامَةِ يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يُلحدون في آياتنا اليوم في الدنيا يوم القيامة عذاب النار ، ثم قال الله : أفهذا الذي يلقى في النار خير ، أم الذي يأتي يوم القيامة آمنا من عذاب الله لإيمانه بالله جلّ جلاله ؟ هذا الكافر ، إنه إن آمن بآيات الله ، واتبع أمر الله ونهيه ، أمّنه يوم القيامة مما حذّره منه من عقابه إن ورد عليه يومئذ به كافرا .

وقوله : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وهذا أيضا وعيد لهم من الله خرج مخرج الأمر ، وكذلك كان مجاهد يقول :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ قال : هذا وعيد .

وقوله : إنّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يقول جلّ ثناؤه : إن الله أيها الناس بأعمالكم التي تعملونها ذو خبرة وعلم لا يخفى عليه منها ، ولا من غيرها شيء .