المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

88- وترى - أيها الرسول - الجبال تظنها ثابتة لا تتحرك ، ولكنها في واقع الأمر تتحرك بسرعة كالسحاب ، وهذا من صنع الله الذي خلق كل شيء وأبدعه . إنه سبحانه كامل العلم بما يفعل الناس من طاعة ومعصية ، ومجازيهم عليه{[168]} .


[168]:{وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء، إنه خبير بما تفعلون}: تقرر هذه الآية الكريمة أن جميع الأجسام التي تخضع لجاذبية الأرض مثل الجبال والغلاف الجوي... الخ تشترك مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس، وبذلك يصبح وجه الأرض في ظلام دامس لمدة ستة أشهر والنصف الآخر في نهار الخارجي والأجرام السماوية، لكن هذه الدورة لا تدرك فهي مثل حركة السحب في الجو يراها الناظرون بعيونهم ولكن لا يسمعون صوتها أو يلمسونها، وتبين هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل خلق الكون والقوانين التي تنظمه، وهو قادر على أن يجعل الأرض ساكنة لا تدور حول محورها، أو يجعل فترة دورانها حول محورها تساوي دورانها حول الشمس، وذلك يصبح نصف وجه الأرض في ظلام دامس لمدة ستة أشهر ونصف الآخر في نهار ساطع الضوء، مما يؤدي إلى اختلال التوازن الحراري على الأرض كلها، وفي هذا فناء الأحياء التي عليها، والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي وضع هذا النظام المحكم رحمة ورأفة بعباده. وبالرغم من أن "أريستاخورس" "الفلكي السكندري 310 ، 230 ق. م" كتب في موضوع دوران الأرض حول نفسها، فإن هذه الكتابات العلمية القديمة لم تصل إلى العرب وقت محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو قبله. بل إن أول من أشار إلى هذه المعلومات منهم هو البيروني عام ألف للميلاد، بعد حركة الترجمة في الدولة العباسية، فإن إيراد هذه الحقائق العلمية على لسان النبي ـ التي لم تكن قد وصلت إلى علمه ـ دليل على أنها موحى بها من عند الله.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

59

ويصاحب الفزع الانقلاب الكوني العام الذي تختل فيه الأفلاك ، وتضطرب دورتها . ومن مظاهر هذا الاضطراب أن تسير الجبال الراسية ، وتمر كأنها السحاب في خفته وسرعته وتناثره . ومشهد الجبال هكذا يتناسق مع ظل الفزع ، ويتجلى الفزع فيه ؛ وكأنما الجبال مذعورة مع المذعورين ، مفزوعة مع المفزوعين ، هائمة مع الهائمين الحائرين المنطلقين بلا وجهة ولا قرار !

( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) .

سبحانه ! يتجلى إتقان صنعته في كل شيء في هذا الوجود . فلا فلتة ولا مصادفة ولا ثغرة ولا نقص ، ولا تفاوت ولا نسيان . ويتدبر المتدبر كل آثار الصنعة المعجزة ، فلا يعثر على خلة واحدة متروكة بلا تقدير ولا حساب . في الصغير والكبير ، والجليل والحقير . فكل شيء بتدبير وتقدير ، يدير الرؤوس التي تتابعه وتتملاه .

( إنه خبير بما تفعلون ) . .

وهذا يوم الحساب عما تفعلون . قدره الله الذي اتقن كل شيء . وجاء به في موعده لا يستقدم ساعة ولا يستأخر ؛ ليؤدي دوره في سنة الخلق عن حكمة وتدبير ؛ وليحقق التناسق بين العمل والجزاء في الحياتين المتصلتين المتكاملتين ، ( صنع الله الذي أتقن كل شيء . إنه خبير بما تفعلون ) .