فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

{ جامدة } ثابتة في أماكنها .

{ تمر مر السحاب } تسير سيرا سريعا كأنها السحاب .

{ أتقن } أحسن ، وأحكم .

{ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب }- ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها وإبراز ما كانت تواريه ، فأول الصفات الاندكاك ، وذلك قبل الزلزلة ثم تصير كالعهن المنفوش وذلك إذا صارت السماء كالمهل ، وقد جمع الله بينهما فقال : ( يوم تكون السماء كالمهل . وتكون الجبال كالعهن( {[2977]} ، والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن ، والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز ، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها . . ترفعها على وجه الأرض فتظهر شعاعا في الهواء كأنها غبار ، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة ، وهي بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح . . والحالة السادسة أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب-{[2978]} .

{ صنع الله الذي أتقن كل شيء } هذا الإنشاء ، وهذا الإفناء فعل الله الذي أحسن كل شيء ، وأحكمه وأتقنه صنعا ، والصنع : العمل المجود المحسن ، والإتقان : الإحكام الذي لا تفاوت فيه ولا نقص ولا خلل ، { إنه خبير بما تفعلون } عليم بظواهر الأعمال وبواطنها ، خبير بكل جلي وكل خفي ، فمجازيكم على ما فعلتم إن خيرا ، وإن شرا ، [ جعله بعض المحققين تعليلا لكون ما ذكر من النفخ في الصور وما بعده صنعا محكما له تعالى ، ببيان أن علمه تعالى بظواهر أحوال المكلفين وبواطنها مما يستدعي إظهارها وبيان كيفياتها على ما هي عليه من الحسن والسوء وترتيب أخيريتها عليها بعد بعثهم وحشرهم ، وتسيير الجبال حسبما نطق به التنزيل ]{[2979]} .


[2977]:سورة المعارج. الآيتان.8، 9.
[2978]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
[2979]:ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني.