تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

[ الآية 88 ] وقوله تعالى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب } قال بعضهم : هي تمر مر كذا لكثرتها وازدحامها ، يرى الناظر إليها ، ويحسبها كأنها جامدة ، وكذلك العسكر العظيم يحسبه{[15187]} الناظر إليه كأنه ساكن جامد [ لكثرة جنوده ]{[15188]} وازدحامهم . فعلى الجبال .

وقال بعضهم : لا ، ولكن لشدة ذلك اليوم وهوله وفزعه على الناس ، يحسبون [ الجبال ]{[15189]} كأنها جامدة { وهو تمر مر السحاب } وهو ما ذكر : { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } الآية [ الحج : 2 ] لشدة ذلك اليوم وفزعه .

وقال بعضهم : لا ، ولكن الجبال لهول ذلك اليوم وفزعه تمر مر السحاب وسيره كقوله : { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } [ القارعة : 5 ] .

وأصله : أن ما يذكر هذا وما تقدم من هول ذلك اليوم وشدته على الخلق ليتعظوا ، وينزجروا .

وقوله تعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } قال بعضهم : أتقن ، أحكم ، وأبرم . وقال بعضهم : { أتقن } أي أحسن { كل شيء } .

قال بعض المعتزلة : كيف يكون الكفر حسنا ، وهو قبيح ، لأنه شتم رب العالمين ؟ ولا يجوز أن يقال : الله خلق شتم نفسه ، وأحسن شتم نفسه ، وأحسن كفر الكافر وغير ذلك من الخرافات ؟ فيقال لهم : لا{[15190]} يقول أحد : إنه خلق الكفر ، وأحسنه ، أو أحسن شتم نفسه . على هذا الإطلاق ، ومن{[15191]} قال ذلك فهو كافر . ولكن نقول : [ خلق ]{[15192]} فعل الكفر من الكافر قبيحا ، وخلق فعل المعصية من العاصي قبيحا . لكنه من حيث خلقه ذلك وجعله حجة عليه حسنا متقنا محكما ، وإن كان ذلك الفعل منه قبيحا باطلا سفها جورا ، أعني من الكافر .

ألا ترى أن من تكلف أن يعرف فعل الكفر منه سفها وجورا ، كان غير مذموم ؟ لأنه يتكلف أن يعرف ما هو سفه في الحقيقة سفها ، ويعرف ما هو حق حقا .

فهو من هذا الوجه عارف حق وحكمة لأن الحكمة توجب أن يعرف كل شيء على ما هو في نفسه حقيقة . فعلى ذلك خلق فعل الكفر من الكافر على الوجه الذي ذكرنا ، هو حسن متقن محكم ، وإن كان من حيث فعل الكافر قبيحا سفها باطلا . وهذا كما يصفه على الإطلاق أنه { رب كل شيء } [ الأنعام : 164 ] و{ خالق كل شيء } [ الرعد : 16 والزمر : 62 ] . ولا نقول : يا خالق الأنجاس ، ويا رب الأقذار ونحوه ، وإن كان هذا داخلا في الجملة أنه خالقها وربها ، لأنه على الإطلاق يخرج مخرج المدح له والثناء ، وعلى{[15193]} التخصيص يخرج مخرج الذم له . فعلى ذلك الأول .

وقوله تعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } على إثر وصف الجبال بما وصف من انتقاضها وإفسادها{[15194]} وإخراجها عن الصفة التي أنشأها إلى ما ذكر لم يخرج من الإتقان والإحكام والإبرام ليعلم أن ليس في إفساد الشيء خروج عن الإتقان إذا كان ذلك محكمه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنه خبير بما تفعلون } وعيد لهم .


[15187]:- في الأصل وم: يحسب
[15188]:- في الأصل وم: لكثرتهم.
[15189]:- ساقطة من الأصل وم.
[15190]:- في الأصل وم: لو.
[15191]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[15192]:- ساقطة من الأصل وم
[15193]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[15194]:- من م، في الأصل: وإفساده.