غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

67

قال أهل المناظرة : إن الأجسام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السمت والكيفية ظن الناظر أنها واقفة مع أنها تمر مراً حثيثاً ، فأخبر الله سبحانه أن حال الجبال يوم القيامة كذلك تجمع فتسير كما تسير الريح السحاب ، فإذا نظر الناظر حسبها جامدة أي واقفة في مكان واحد . { وهي تمرّ مرّ السحاب } قال جار الله { صنع الله } من المصادر المؤكدة كقوله " وعد الله " إلا أن مؤكدة محذوف وهو الناصب ل { يوم ينفخ } والمعنى يوم ينفخ في الصور فكان كيت وكيت ، أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين صنع الله ، فجعل الإثابة والمعاقبة من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على وجه الحكمة والصواب . قلت : لا يبعد أن يكون الناصب ل { يوم ينفخ } هو " اذكر " مقدراً ، ويكون { صنع الله } مصدراً مؤكداً لنفسه أي صنع تسيير الجبال ومرها صنع الله . قال القاضي عبد الجبار : في قوله { أتقن كل شيء } دلالة على أن القبائح ليست من خلقه وإلا وجب وصفها بأنها متقنة ولكن الإجماع مانع منه . وأجيب بأن الآية مخصوصة بغير الأعراض فإن الأعراض لا يمكن وصفها بالإتقان وهو الإحكام لأنه من أوصاف المركبات . قلت : ولو سلم وصف الأعراض بالإتقان فوصف كل الأعراض به ممنوع فما من عام إلا وقد خص ، ولو سلم فالإجماع المذكور لعله ممنوع يؤيده قوله { إنه خبير بما تفعلون } وإذا كان خبيراً بكل أفعال العباد على كل نحو يصدر عنهم وخلاف معلومه يمتنع أن يقع فقد صحت معارضة الشعري ، وعلى مذهب الحكيم وقاعدته صدور الشر القليل من الحكيم لأجل الخير الكثير لا ينافي الإتقان والله أعلم .

/خ93