فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

{ وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } معطوف على { ينفخ } . والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكلّ من يصلح للرؤية ، و { تحسبها جامدة } في محل نصب على الحال من ضمير ترى أو من مفعوله ؛ لأن الرؤية بصرية . وقيل : هي بدل من الجملة الأولى ، وفيه ضعف ، وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة ، ومعنى { تحسبها جامدة } أي قائمة ساكنة ، وجملة : { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب } في محل نصب على الحال : أي وهي تسير سيراً حثيثاً كسير السحاب التي تسيرها الرياح . قال القتيبي : وذلك أن الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير . قال القشيري : وهذا يوم القيامة ، ومثله قوله تعالى : { وَسُيّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] . قرأ أهل الكوفة { تحسبها } بفتح السين ، وقرأ الباقون بكسرها { صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء } انتصاب { صنع } على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما ، أي صنع الله ذلك صنعاً ، وقيل : هو مصدر مؤكد لقوله : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور } . وقيل منصوب على الإغراء : أي انظروا صنع الله ، ومعنى { الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء } الذي أحكمه ، يقال : رجل تقن أي حاذق بالأشياء ، وجملة { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } تعليل لما قبلها من كونه سبحانه صنع ما صنع ، وأتقن كل شيء ، والخبير : المطلع على الظواهر والضمائر . قرأ الجمهور بالتاء الفوقية على الخطاب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الخبر .

/خ93