قوله تعالى : " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " قال ابن عباس : أي قائمة وهي تسير سيرا حثيثا . قال القتبي : وذلك أن الجبال تُجمع وتُسير ، فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير ، وكذلك كل شي عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر ، لكثرته وبعد ما بين أطرافه ، وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير قال النابغة وفي وصف جيش :
بأرعنَ مثل الطَّوْدِ تحسب أنهم *** وقوفٌ لحاجٍ والرِّكَابُ تُهَمْلِجُ
قال القشيري : وهذا يوم القيامة ، أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب ، والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهي تسير أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء ، فقال الله تعالى : " وسيرت الجبال فكانت سرابا " [ النبأ : 20 ] ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلي تفريغ الأرض منها ، وإبراز ما كانت تواريه ، فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة ، ثم تصير كالعهن المنفوش ، وذلك إذا صارت السماء كالمهل ، وقد جمع الله بينهما فقال : " يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن " [ المعارج : 9 ] . والحالة الثالثة : أن تصير كالهباء ، وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن . والحالة الرابعة : أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز ، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها . والحالة الخامسة : أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار ، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة ، وهي بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة . والحالة السادسة : أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب . قال مقاتل : تقع على الأرض فتسوى بها . ثم قيل هذا مثل . قال الماوردي : وفيما ضرب له ثلاثة أقوال : أحدها أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال ، وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب ، قاله سهل بن عبدالله . الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان تحسبه ثابتا في القلب وعمله صاعد إلى السماء . الثالث : أنه مثل ضربه الله للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى العرش . " صنع الله الذي أتقن كل شيء " أي هذا من فعل الله ، وما هو فعل منه فهو متقن . و " ترى " من رؤية العين ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين . والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الراء فتحركت الراء وحذفت الهمزة ، وهذا سبيل تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن ، إلا أن التخفيف لازم لترى . وأهل الكوفة يقرؤون : " تحسَبها " بفتح السين وهو القياس ؛ لأنه من حسب يحسب إلا أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل ، فتكون على فعل يفعل مثل نعم ينعم وبئس يبئس وحكى يئس ييئس من السالم ، لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف " وهي تمر مر السحاب " تقديره مرا مثل مر السحاب ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف والمضاف مقام المضاف إليه ، فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض وتجمع وتسير كما تسير السحاب ، ثم تكسر فتعود إلى الأرض كما قال : " وبست الجبال بسا " [ الواقعة : 5 ] " صنع الله " عند الخليل وسيبويه منصوب على أنه مصدر ؛ لأنه لما قال عز وجل : " وهي تمر مر السحاب " دل على أنه قد صنع ذلك صنعا . ويجوز النصب على الإغراء ، أي انظروا صنع الله . فيوقف على هذا على " السحاب " ولا يوقف عليه على التقدير الأول . ويجوز رفعه على تقدير ذلك صنع الله . " الذي أتقن كل شيء " أي أحكمه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله من عمل عملا فأتقنه ) . وقال قتادة : معناه أحسن كل شيء والإتقان الإحكام ؛ يقال : رجل تقن أي حاذق بالأشياء وقال الزهري : أصله من ابن تقن ، وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل ، يقال : أرمى من ابن تقن ثم يقال لكل حاذق بالأشياء تقن . " إنه خبير بما تفعلون " والباقون تفعلون بالتاء على الخطاب قراءة الجمهور ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.