الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ} (88)

قوله : { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } : هذه الجملةُ حاليةٌ مِنْ فاعلِ " تَرَى " ، أو مِنْ مفعولهِ ؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَريةٌ .

قوله : { وَهِيَ تَمُرُّ } الجملةُ حاليةٌ أيضاً . وهكذا الأجرامُ العظيمةٌ تراها واقفةً وهي مارَّة . قال النابغةُ الجعديُّ يصف جيشاً كثيفاً :بأَرْعَنَ مثلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أنَّهم *** وُقوفٌ لِحاجٍ والرِّكابُ تُهَمْلِجُ

و " مرَّ السَّحابِ " مصدرٌ تشبيهيٌّ .

قوله : { صُنْعَ اللَّهِ } مصدرٌ مؤكِّدٌ لمضمونِ الجملةِ السابقةِ . عاملُه مضمرٌ . أي : صَنَعَ اللهُ ذلك صُنْعاً ، ثم أُضِيف بعد حَذْفِ عامِله . وجعلَه الزمخشريُّ مؤكِّداً للعاملِ في { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ } [ النمل : 87 ] وقَدَّره " ويومَ يُنْفَخُ " وكان كيتَ وكيتَ أثابَ اللهُ المحسنين ، وعاقَبَ المسيئين ، في كلامٍ طويلٍ حَوْماً على مذهبه . وقيل : منصوبٌ على الإِغراء أي : انظروا صُنْعَ اللهِ وعليكم به .

والإِتْقانُ : الإِتيانُ بالشيءِ على أكملِ حالاتِه . وهو مِنْ قولِهم " تَقَّن أَرْضَه " إذا ساقَ إليها الماءَ الخاثِرَ بالطينِ لتَصْلُحَ لِلزراعة . وأرضٌ تَقْنَةٌ . والتَّقْنُ : فِعْلُ ذلك بها ، والتَّقْنُ أيضاً : ما رُمِيَ به في الغدير من ذلك أو الأرض .

قوله : { بِمَا تَفْعَلُونَ } قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو وهشام بالغَيْبة جرْياً على قولِه : " وكلٌّ أَتَوْهُ " . والباقون بالخطاب جَرْياً على قولِه : " وتَرى " لأنَّ المرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأمَّتُه .