59- يحاول الاختفاء عن أعين الناس ، لئلا يروا كآبته ، من الألم الذي أصابه من وجود المولود الذي أخبروه به ، وتستولي عليه حيرة . أيبقيه حياً مع ما يلحقه من الهوان على ذلك في زعمه ؟ ! أم يدفنه في التراب ، وهو حي حتى يموت تحته ؟ تنبه - أيها السامع - لفظاعة عمل هؤلاء . وقبح حكمهم ، الذي ينسبون فيه لله ما يكرهون أن ينسب إلى أنفسهم .
وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه ، ويتوارى منهم ، من سوء ما بشر به . ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد ، فيما يصنع بتلك البنت التي بشّر بها ، { أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ } ، أي : يتركها من غير قتل على إهانة وذل ، { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } ، أي : يدفنها وهي حية ، وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين ، { أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ، إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله ، من نسبة الولد إليه .
ثم لم يكفهم هذا ، حتى نسبوا له أردأ القسمين ، وهو الإناث اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها ، فكيف ينسبونها لله تعالى ؟ ! فبئس الحكم حكمهم .
التّواري : الاختفاء ، مضارع واراه ، مشتقّ من الوراء وهو جهة الخلف .
و { مِن } في قوله تعالى : { من سوء ما بشر به } للابتداء المجازي المفيد معنى التعليل ، لأنه يقال : فعلت كذا من أجل كذا ، قال تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } [ سورة الأنعام : 151 ] ، أي يتوارى من أجل تلك البشارة .
وجملة { أيمسكه } بدل اشتمال من جملة { يتوارى } ، لأنه يتوارى حياء من الناس ؛ فيبقى متوارياً من قومه أياماً حتى تُنسى قضيّته . وهو معنى قوله تعالى : { أيمسكه } الخ ، أي يتوارى ويتردّد بين أحد هذين الأمرين بحيث يقول في نفسه : أأمسكه على هُون أم أدسّه في التراب .
والمراد : التردّد في جواب هذا الاستفهام .
والهُون : الذلّ . وتقدم عند قوله تعالى : { فاليوم تجزون عذاب الهون } في سورة الأنعام ( 93 ) .
والدسّ : إخفاء الشيء بين أجزاء شيء آخر كالدفن . والمراد : الدّفن في الأرض وهو الوأد . وكانوا يَئِدون بناتهم ، بعضُهم يئد بحدثان الولادة ، وبعضهم يئد إذا يفعت الأنثى ومشت وتكلّمت ، أي حين تظهر للناس لا يمكن إخفاؤها . وذلك من أفظع أعمال الجاهلية ، وكانوا متمالئين عليه ويحسبونه حقّاً للأب فلا ينكرها الجماعة على الفاعل .
ولذلك سمّاه الله حكماً بقوله تعالى : { ألا ساء ما يحكمون } . وأعلن ذمّهُ بحَرف { ألاَ } لأنه جور عظيم قد تَمَالأُوا عليه وخوّلوه للناس ظلماً للمخلوقات ، فأسند الحكم إلى ضمير الجماعة مع أن الكلام كان جارياً على فعل واحد غير معيّن قضاءً لحقّ هذه النكتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.