غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

43

{ يتوارى } ، يستخفي ، { من القوم من سوء ما بشر به } ، من أجل سوء المبشر به ، ولم يظهر أياماً يحدث نفسه ويدبر فيها ماذا يصنع بها ، وذلك قوله : { أيمسكه } ، أي : يحبسه ، { على هون } ، ذل وهوان . والظاهر أن هذا صفة المولود ، أي : يمسكها على هوان منه لها . وقال عطاء عن ابن عباس : إنه صفة الأب ، أي : يمسكها مع الرضا بهوان نفسه ، { أم يدسه في التراب } ، أي : بيده . والدس إخفاء الشيء في الشيء . وإنما ذكر الضمير في { يمسكه } ، و{ يدسه } ، باعتبار ما بشر به . كانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها إلى أن تموت ، ومنهم من يرميها من شاهق جبل ، ومنهم من يغرقها ، ومنها من يذبحها . وكانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة والحمية ، وأخرى خوفاً من الفقر والفاقة ولزوم النفقة . روي أن رجلاً قال : يا رسول الله والذين بعثك بالحق ما أجد حلاوة الإسلام وقد كانت لي في الجاهلية ابنة ، وأمرت امرأتي أن تزينها وأخرجتها ، فلما انتهيت إلى وادٍ بعيد القعر ألقيتها ، فقالت : يا أبتي قتلتني . فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء . فقال صلى الله عليه وسلم : ما في الجاهلية فقد هدمه الإسلام ، وما في الإسلام يهدمه الاستغفار . ولا ريب أن الأنثى التي هذا محلها عندهم ، كانت في غاية الكراهية والتنفير ، ومع ذلك أثبتوها لله المتعالي عن الصاحبة والولد ، فلذلك قال : { ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة } .

/خ60