قوله تعالى : " يتوارى من القوم " ، أي : يختفي ويتغيب . " من سوء ما بشر به " ، أي : من سوء الحزن والعار والحياء الذي يلحقه بسبب البنت . " أيمسكه " ، ذكر الكناية ؛ لأنه مردود على " ما " . " على هون " ، أي : هوان . وكذا قرأ عيسى الثقفي : " على هوان " ، والهون : الهوان بلغة قريش ، قاله اليزيدي ، وحكاه أبو عبيد عن الكسائي . وقال الفراء : هو القليل ، بلغة تميم . وقال الكسائي : هو البلاء والمشقة . وقالت الخنساء :
نُهِينُ النفوسَ وهونُ النفو *** س يوم الكريهة أبقَى لها
وقرأ الأعمش : " أيمسكه على سوء " ، ذكره النحاس ، قال : وقرأ الجحدري " أم يدسها في التراب " يرده على قوله : " بالأنثى " ويلزمه أن يقرأ " أيمسكها " {[9902]} . وقيل : يرجع الهوان إلى البنت ، أي أيمسكها وهي مهانة عنده . وقيل : يرجع إلى المولود له ، أيمسكه على رغم أنفه ، أم يدسه في التراب ، وهو ما كانوا يفعلونه من دفن البنت حية . قال قتادة : كان مضر وخزاعة يدفنون البنات أحياء ، وأشدهم في هذا تميم . زعموا خوف القهر عليهم ، وطمع غير الأكفاء فيهن . وكان صعصعة ابن ناجية عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك ، وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك . فقال الفرزدق يفتخر :
وعمي{[9903]} الذي منع الوائدات *** وأحيا الوئيد فلم يُوأَدِ
وقيل : دسها ؛ إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف ، كالمدسوس في التراب لإخفائه عن الأبصار ، وهذا محتمل .
مسألة : ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها ، فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة ، فأعطيتها إياها ، فأخذتها ، فقسمتها بين ابنتيها ، ولم تأكل منها شيئا ، ثم قامت فخرجت وابنتاها ، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته{[9904]} حديثها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن ، كن له سترا من النار ) . ففي هذا الحديث ما يدل على أن البنات بلية ، ثم أخبر أن في الصبر عليهن والإحسان إليهن ، ما يقي من النار . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن الله عز وجل قد أوجب لها بها الجنة ، أو أعتقها بها من النار ) . وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو . ) وضم أصابعه ، خرجهما أيضا مسلم رحمه الله ، وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له بنت ، فأدبها فأحسن أدبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه ، كانت له سترا أو حجابا من النار ) . وخطب إلى عقيل بن عُلَّفَة ابنته الجرباء فقال :
إني وإن سيق إليّ المَهر*** ألفٌ وعبدان وخورٌ{[9905]} عشُر
لكل أبي بنت يراعي شؤونها *** ثلاثةُ أصهار إذا حُمد الصِّهْرُ
فبعلٌ يراعيها وخِدْرٌ يُكِنُّهَا *** وقَبْرٌ يواريها وخيرُهم القَبْرُ
" ألا ساء ما يحكمون " أي : في إضافة البنات إلى خالقهم ، وإضافة البنين إليهم . نظيره " ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذا قسمة ضيزى " [ النجم : 21 ] ، أي : جائرة ، وسيأتي{[9906]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.