فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

{ يتوارى مِنَ القوم } أي : يتغيب ويختفي { مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ } أي : من سوء الحزن والعار والحياء الذي يلحقه بسبب حدوث البنت له { أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ } أي : لا يزال متردّداً بين الأمرين ، وهو إمساك البنت التي بشر بها ، أو دفنها في التراب { على هُونٍ } أي : هوان ، وكذا قرأ عيسى الثقفي . قال اليزيدي : والهون : الهوان بلغة قريش . وكذا حكاه أبو عبيد عن الكسائي ، وحكي عن الكسائي أنه البلاء والمشقة ، قالت الخنساء :

نهين النفوس وهون النفو *** س يوم الكريهة أبقى لها

وقال الفراء : الهون : القليل بلغة تميم . وحكى النحاس عن الأعمش أنه قرأ «أيمسكه على سوء » { أم يدسه في التراب } أي : يخفيه في التراب بالوأد كما كانت تفعله العرب ، فلا يزال الذي بشر بحدوث الأنثى متردّداً بين هذين الأمرين . والتذكير في { يمسكه } و{ يدسه } مع كونه عبارة عن الأنثى لرعاية اللفظ . وقرأ الجحدري «أم يدسها في التراب » ويلزمه أن يقرأ «أيمسكها » ، وقيل : دسها : إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف كالمدسوس لإخفائه عن الأبصار { أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } حيث أضافوا البنات التي يكرهونها إلى الله سبحانه وأضافوا البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم . ومثل هذا قوله تعالى : { أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى } [ النجم : 21 22 ] .

/خ62