فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

{ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ( 59 ) } :

{ يَتَوَارَى } ، أي : يتغيب ويختفي ، { مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } ، أي : من سوء الحزن والعار ، والحياء الذي يلحقه بسبب حدوث البنت له ، تعلق هنا جاران بلفظ واحد ، لاختلاف معناهما ، فإن الأولى للابتداء والثانية للعلة ، أي : من أجل سوءه وسوؤها ، من حيث كونها يخاف عليها الزنا ، ومن حيث كونها لا تكتسب ، ومن حيث غير ذلك .

{ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ } ، قال اليزيدي : الهون ، الهوان بلغة قريش ، وكذا حكى عن الكسائي ، وحكى عنه أيضا ، أنه البلاء والمشقة . وقال الفراء : الهون ، القليل بلغة تميم . وعن الأعمش : أنه قرأ أيمسكه على سوء ، { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } ، أي : يخفيه فيه بالوأد ، كما كانت تفعله العرب ، والدس إخفاء الشيء في الشيء ، فلا يزال الذي بشر بحدوث الأنثى مترددا بين هذين الأمرين ، والتذكير في " يمسكه ويدسه " مع كونه عبارة عن الأنثى لرعاية اللفظ ، وقرأ الجحدري : " أم يدسها " ، ويلزمه أن يقرأ : " أيمسكها " ، وقيل : دسها ، إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف ، كالمدسوس لإخفائه عن الأبصار .

{ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } ، حيث أضافوا البنات التي يكرهونها إلى الله سبحانه ، وأضافوا البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم ، ومثله قوله تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى } ، قال السدي : بئسما حكموا ، بقول شيء لا يرضونه لأنفسهم ، فكيف يرضونه لي .