المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

27- وأنت بما أنشأت ووضعت من الأسباب والسنن ، تُدْخِل من الليل في النهار ما يزيد به النهار طولا ، وتدخل من النهار في الليل ما يزيد به الليل طولا ، وتخرج المتصف بمظاهر الحياة من فاقدها ، كما تخرج فاقد الحياة من الحي المتمكن من أسباب الحياة ، وتهب عطاءك الواسع من تشاء كما تريد على نظام حكمتك ، فلا رقيب يحاسبك ، ومن كان هذا شأنه لا يعجزه أن يمنح رسوله وأصفياءه السيادة والسلطان والغنى واليسار كما وعدهم{[31]} .


[31]:دورة الحياة والموت هي معجزة الكون وسر الحياة نفسها، والسمات الرئيسية في هذه الدورة أن الماء وثاني أكسيد الكربون والنتروجين والأملاح غير العضوية في التربة تتحول بفضل طاقة الشمس والنباتات الخضراء وأنواع معينة من البكتريا إلى مواد عضوية هي مادة الحياة في النبات والحيوان. أما في الشق الثاني من هذه الدورة فتعود هذه المواد إلى عالم الموت في صورة نفايات الأحياء ونواتج أيضها وتنفسها. ثم في صورة أجسامها كلها عندما تموت وتستسلم لعوامل التحلل البكتيري والكيماوي التي تحيلها إلى مواد غير عضوية بسيطة مهيأة للدخول في دورة جديدة من دورات الحياة، وهكذا في كل لحظة من الزمان يخرج الخالق القدير حياة من الموت وموتا من الحياة وهذه الدورة المتكررة لا تتم إلا في وجود كائن أودعه الله سر الحياة كبذرة النبات مثلا. والآية الكريمة تذكر أولى الألباب بالمعجزة الأولى وهي خلق الحياة من مادة الأرض الميتة ثم تكرار الدورة كما سبق. وهكذا جاء في الآية الكريمة إخراج الحي من الميت سابقا لإخراج الميت من الحي وهذا هو الإعجاز بعينه.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

{ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } أي : تدخل هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فينشأ عن ذلك من الفصول والضياء والنور والشمس والظل والسكون والانتشار ، ما هو من أكبر الأدلة على قدرة الله وعظمته وحكمته ورحمته { وتخرج الحي من الميت } كالفرخ من البيضة ، وكالشجر من النوى ، وكالزرع من بذره ، وكالمؤمن من الكافر { وتخرج الميت من الحي } كالبيضة من الطائر وكالنوى من الشجر ، وكالحب من الزرع ، وكالكافر من المؤمن ، وهذا أعظم دليل على قدرة الله ، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا ، فخلقه تعالى الأضداد ، والضد من ضده بيان أنها مقهورة { وترزق من تشاء بغير حساب } أي : ترزق من تشاء رزقا واسعا من حيث لا يحتسب ولا يكتسب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (27)

حقيقة « تُولج » تدخل وهو هنا استعارة لتعاقب ضوء النهار وظلمة الليل ، فكأنَّ أحدهما يدخل في الآخر ، ولازدياد مدة النهار على مدة الليل وعكسه في الأيام والفصول عدا أيام الاعتدال وهي في الحقيقة لحظات قليلة ثم يزيد أحدهما لكنّ الزيادة لا تدرك في أولها فلا يعرفها إلاّ العلماء ، وفي الظاهر هي يومان في كل نصف سنة شمسية قال ابن عرفة : « كان بعضهم يقول : القرآن يشتمل على ألفاظ يفهمها العوامّ وألفاظ يفهمها الخواصّ وما يفهمه الفريقان ومنه هذه الآية ؛ فإنّ الإيلاج يشمل الأيام التي لا يفهمها إلاّ الخواص والفصولَ التي يدركها سائر العوام » .

وفي هذا رمز إلى ما حدث في العالم من ظلمات الجهالة والإشراك ، بعد أن كان الناس على دين صحيح كدين موسى ، وإلى ما حدث بظهور الإسلام من إبطال الضلالات ، ولذلك ابتدىء بقوله : { تولج الليل في النهار } ، ليكون الانتهاء بقوله : { وتولج النهار في الليل } ، فهو نظير التعريض الذي بيّنته في قوله : { تؤتي الملك من تشاء } الآية . والذي دل على هذا الرمز افتتاح الكلام بقوله : { اللهم مالك الملك } إلخ .

وإخراج الحي من الميّت كخروج الحيوان من المضغة ، ومن مُح البيضة . وإخراج الميت من الحي في عكس ذلك كلّه ، وسيجيء زيادة بيان لهذا عند قوله : { ومن يخرج الحي من الميّت } في سورة يونس ( 31 ) . وهذا رمز إلى ظهور الهُدى والملك في أمّة أمية ، وظهور ضلال الكفر في أهل الكتابين ، وزوال الملك من خَلَفهم يعد أن كان شعار أسلافهم ، بقرينة افتتاح الكلام بقوله : اللهم مالك الملك } إلخ .

وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ، وخلف : « الميّت » بتشديد التحتية . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب : بسكون التحتية وهما وجهان في لفظ الميت .

وقوله : { وترزق من تشاء بغير حساب } هو كالتذييل لذلك كلّه .

والرزق ما يَنتفع به الإنسان فيطلق على الطعام والثمارَ كقوله : { وجد عندها رزقاً } [ آل عمران : 37 ] وقوله : { فليأتكم برِزق منه } [ الكهف : 19 ] ، ويطلق على أعمّ من ذلك ممّا ينتفع به كما في قوله تعالى : { يَدْعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب . وعندهم قاصرات الطَّرف أتراب } ثم قال { إنّ هذا لَرِزْقُنا مَالَه من نَفَاد } [ ص : 51 54 ] وقوله : { قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله } ومن ثم سميت الدراهم والدنانير رزقاً : لأنّ بها يعوض ما هو رزق ، وفي هذا إيماء إلى بشارة للمسلمين بما أخبىء لهم من كنوز الممالك الفارسية والقيصرية وغيرها .