المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

26- فاستجاب الله لموسى ، وحرَّم على أولئك المخالفين دخول هذه الأرض طيلة أربعين عاماً ، يضلُّون في الصحراء لا يهتدون إلى جهة . قال الله لموسى يواسيه : لا تحزن على ما أصابهم ، فإنهم فاسقون خارجون عن أمر الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

{ قَالَ } الله مجيبا لدعوة موسى : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ } أي : إن من عقوبتهم أن نحرم عليهم دخول هذه القرية التي كتبها الله لهم ، مدة أربعين سنة ، وتلك المدة أيضا يتيهون في الأرض ، لا يهتدون إلى طريق ولا يبقون مطمئنين ، وهذه عقوبة دنيوية ، لعل الله تعالى كفر بها عنهم ، ودفع عنهم عقوبة أعظم منها ، وفي هذا دليل على أن العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة ، أو دفع نقمة قد انعقد سبب وجودها أو تأخرها إلى وقت آخر .

ولعل الحكمة في هذه المدة أن يموت أكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة ، الصادرة عن قلوب لا صبر فيها ولا ثبات ، بل قد ألفت الاستعباد لعدوها ، ولم تكن لها همم ترقيها إلى ما فيه ارتقاؤها وعلوها ، ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقولهم على طلب قهر الأعداء ، وعدم الاستعباد ، والذل المانع من السعادة .

ولما علم الله تعالى أن عبده موسى في غاية الرحمة على الخلق ، خصوصا قومه ، وأنه ربما رق لهم ، واحتملته الشفقة على الحزن عليهم في هذه العقوبة ، أو الدعاء لهم بزوالها ، مع أن الله قد حتمها ، قال : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي : لا تأسف عليهم ولا تحزن ، فإنهم قد فسقوا ، وفسقهم اقتضى وقوع ما نزل بهم لا ظلما منا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

{ قال فإنها } فإن الأرض المقدسة . { محرمة عليهم } لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم . { أربعين سنة يتيهون في الأرض } عامل الظرف إما محرمة فيكون التحريم مؤقتا غير مؤبد فلا يخالف ظاهر قوله { التي كتب الله لكم } ، ويؤيد ذلك ما روي : أن موسى عليه الصلاة والسلام سار بعده بمن بقي من بني إسرائيل ففتح أريحاء ، وأقام بها ما شاء الله ثم قبض وقيل : إنه قبض في التيه ولما احتضر أخبرهم بأن يوشع بعده نبي وأن الله سبحانه وتعالى أمره بقتال الجبابرة ، فسار بهم يوشع وقتل الجبابرة وصار الشام كله لبني إسرائيل ، وإما يتيهون أي يسيرون فيها متحيرين لا يرون طريقا فيكون التحريم مطلقا ، وقد قيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها بل هلكوا في التيه ، وإنما قاتل الجبابرة أولادهم . روي : أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون من الصباح إلى المساء ، فإذا هم بحيث ارتحلوا عنه ، وكان الغمام يظلهم من الشمس وعمود من نور يطلع بالليل فيضيء لهم ، وكان طعامهم المن والسلوى وماؤهم من الحجر الذي يحملونه ، والأكثر على أن موسى وهارون كانا معهم في التيه إلا أنه كان ذلك روحا لهما وزيادة في درجتهما ، وعقوبة لهم ، وأنهما ماتا فيه مات هارون ، وموسى بعده بسنة . ثم دخل يوشع أريحاء بعد ثلاثة أشهر ومات النقباء فيه بغتة غير كالب ويوشع . { فلا تأس على القوم الفاسقين } خاطب به موسى عليه الصلاة والسلام لما ندم على الدعاء عليهم وبين أنهم أحقاء بذلك لفسقهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

{ قال فإنها محرمة } المعنى قال الله ، وأضمر الفاعل في هذه الأفعال كلها إيجازاً لدلالة معنى الكلام على المراد ، وحرم الله تعالى على جميع بني إسرائيل دخول تلك المدينة { أربعين سنة } وتركهم خلالها { يتيهون في الأرض } أي في أرض تلك النازلة ، وهو فحص التيه وهو على ما يحكى طول ثمانين ميلاً في عرض ستة فراسخ ، وهو ما بين مصر والشام ، ويروى أنه اتفق أن مات كل من كان قال إنّا لن ندخلها أبداً ، ولم يدخل المدينة أحد من ذلك الجيل إلا يوشع وكالوث ، ويروى أن هارون عليه السلام مات في فحص التيه في خلال هذه المدة ولم يختلف في هاذا ، وروي أن «موسى » عليه السلام مات فيه بعد هارون بثمانية أعوام ، وقيل بستة أشهر ونصف ، وأن يوشع نبيء بعد كمال «الأربعين سنة » وخرج ببني إسرائيل وقاتل الجبارين وفتح المدينة ، وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين{[4506]} ، وروي أن «موسى » عليه السلام عاش حتى كملت الأربعون وخرج بالناس وحارب الجبارين ويوشع وكالب على مقدمته ، وأنه فتح المدينة وقتل بيده عوج بن عناق ، يقال كان في طول «موسى » عشرة أذرع وفي طول عصاه عشرة أذرع ، وترامى من الأرض في السماء عشرة أذرع ، وحينئذ لحق كعَب عوج فضربه بعصاه في كعبه فخر صريعاً ، ويروى أن عوجاً اقتلع صخرة ليطرحها على عسكر بني إسرائيل فبعث الله هدهداً بحجر الماس فأداره على الصخرة فتقورت ودخلت في عنق عوج ، وضربه «موسى » فمات ، وحكى الطبري أن طول عوج ثمانمائة ذراع ، وحكي عن ابن عباس أنه قال : لما خر كان جسراً على النيل سنة .

قال القاضي أبو محمد : والنيل ليس في تلك الأقطار وهذا كله ضعيف والله أعلم ، وحكى الزجاج عن قوم أن «موسى » وهارون لم يكونا في التيه ، والعامل في { أربعين } يحتمل أن يكون { محرمة } ، أي حرمت عليهم { أربعين سنة ويتيهون في الأرض } هذه المدة ثم تفتح عليهم ، أدرك ذلك من أدركه ومات قبله من مات . وخطأ أبو إسحاق أن يكون العامل { محرمة } ، وذلك منه تحامل ، ويحتمل أن يكون العامل { يتيهون } مضمراً يدل عليه { يتيهون } المتأخر ، ويكون قوله إنها محرمة إخبار مستمر تلقوا منه أن المخاطبين لا يدخلونها أبداً ، وأنهم مع ذلك «يتيهون في الأرض أربعين سنة » يموت فيها من مات .

قال القاضي أبو محمد : كأنه لم يعش المكلفون ، أشار إلى ذلك الزجاج ، والتيه : الذهاب في الأرض إلى غير مقصد معلوم{[4507]} ، ويروى أن بني إسرائيل كانوا يرحلون بالليل ويسيرون ليلهم أجمع في تحليق ونحوه من التردد وقلة استقامة السير ، حتى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الذي كانوا فيه أول الليل ، وقال مجاهد وغيره كانوا يسيرون النهار أحياناً والليل أحياناً فيمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا ، وذلك في مقدار ستة فراسخ .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون تيههم بافتراق الكلمة وقلة اجتماع الرأي ، وإن الله تعالى رماهم بالاختلاف وعلموا أنها قد حرمت عليهم «أربعين سنة » . فتفرقت منازلهم في ذلك الفحص ، وأقاموا ينتقلون من موضع إلى موضع على غير نظام واجتماع ، حتى كملت هذه المدة وأذن الله بخروجهم وهذا تيه ممكن محتمل على عرف البشر . والآخر الذي ذكر مجاهد إنما هو خرق عادة وعجب من قدرة الله تعالى ، وفي ذلك التيه ظلل عليهم الغمام ورزقوا المن والسلوى إلى غير ذلك مما روي من ملابسهم ، وقد مضى ذلك في سورة البقرة . وقوله تعالى : { فلا تأس على القوم الفاسقين } معناه فلا تحزن يقال أسى : الرجل يأسى أسى إذا حزن ومنه قول امرىء القيس :

وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيهم . . . يقولون لا تهلك أسى وتجمل

ومنه قول متمم بن نويرة :

فقلت لهم إن الأسى يبعث الأسى . . . دعوني فهذا كله قبر مالك

والخطاب بهذه الآية لموسى عليه السلام ، قال ابن عباس ندم «موسى » على دعائه على قومه وحزن عليهم ، فقال له الله : { فلا تأس على القوم الفاسقين } وقال قوم من المفسرين الخطاب بهذه الألفاظ لمحمد صلى الله عليه وسلم ويراد ب { الفاسقين } معاصروه ، أي هذه أفعال اسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك ، وردهم عليك ، فإنه سجية خبيثة موروثة عندهم .


[4506]:- أشار إلى قصة وقوف الشمس ليوشع أبو تمام في قوله: فردت علينا الشمس والليل راغـم بشمس بدت من جانب الخدر تطلع نضا ضوؤها صبغ الدّجنّة وانطوى لبهجتها ثوب السماء المُجـــزع فوالله ما أدري أأحلام نائــــم ألمّت بنا أم كان في الركب يوشع؟ وأشار شوقي أيضا إليها بقوله: قفي يا أخت يوشع خبرينــا أحاديث القرون الغابرينــــا
[4507]:- أصل التيه في اللغة: الحيرة، يقال منه: تاه يتيه تيها وتوها إذا تحيّر، والأرض التّيهاء: التي لا يُهتدى فيها، ومنه قول القائل: بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فرخا بيوضها