المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

50- فأجابه موسى : ربنا الذي منح نعمة الوجود لكل موجود ، وخلقه علي الصورة التي اختارها سبحانه له ، ووجَّهه لما خلق{[126]} .


[126]:أودع الله سبحانه وتعالي في كل شيء صفاته الخاصة التي تؤهله لأداء وظيفته التي خلق لها في هذه الحياة كما أنها سبيل هداية الإنسان.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

{ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } أي : ربنا الذي خلق جميع المخلوقات ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ، الدال على حسن صنعه من خلقه ، من كبر الجسم وصغره وتوسطه ، وجميع صفاته ، { ثُمَّ هَدَى } كل مخلوق إلى ما خلقه له ، وهذه الهداية العامة{[516]} المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق ، تجده يسعى لما خلق له من المنافع ، وفي دفع المضار عنه ، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل ، ما يتمكن{[517]} به على ذلك .

وهذا كقوله تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } فالذي خلق المخلوقات ، وأعطاها خلقها الحسن ، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه ، وهداها لمصالحها ، هو الرب على الحقيقة ، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا ، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب ، فلو قدر أن الإنسان ، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر ، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك .


[516]:- في ب: الكاملة.
[517]:- كذا في ب، وفي أ: ما تتمكن.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

{ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس يقول : خلق لكل شيء زَوْجة .

قال الضحاك عن ابن عباس : جعل الإنسان إنسانًا ، والحمار حمارًا ، والشاة شاةً .

وقال ليث بن أبي سُلَيم ، عن مجاهد : أعطى كل شيء صورته .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : سَوّى خلق كل دابة .

وقال سعيد بن جبير في قوله : { أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } قال : أعطى كل ذي خَلْق ما يصلحه من خَلْقه ، ولم يجعل للإنسان من خَلْق الدابة ، ولا للدابة من خلق الكلب ، ولا للكلب{[19391]} من خلق الشاة ، وأعطى كل{[19392]} شيء ما ينبغي له من النكاح ، وهيّأ كلّ شيء على ذلك ، ليس شيء منها يشبه شيئًا من أفعاله{[19393]} في الخَلْق والرزق والنكاح .

وقال بعض المفسرين : { أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } كقوله تعالى : { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } [ الأعلى : 3 ] أي : قدر قدرًا ، وهدى الخلائق إليه ، أي : كَتَب الأعمال والآجال والأرزاق ، ثم الخلائق ماشون على ذلك ، لا يحيدون عنه ، ولا يقدر أحد على الخروج منه . يقول : ربنا الذي خلق [ الخلق ]{[19394]} وقدر القَدَر ، وجَبَل الخليقة على ما أراد .


[19391]:في أ: "ولا للخلق".
[19392]:في ف، أ: "كل ذي".
[19393]:في ف: "من فعاله".
[19394]:زيادة من ف، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

استبد موسى صلى الله عليه وسلم بجوابه من حيث خصه في السؤال ثم أعلمه من صفات الله تعالى بأن لا شرك لفرعون فيه لا بوجه مجاز واختلف المفسرون في قوله { الذي أعطى كل شيء خلقه } فقالت فرقة معناه أعطى الذكران من كل الحيوان نوعه وخلقته أنثى { ثم هدى } للإتيان ، وقالت فرقة بل المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته ، أي أكمل ذلك له وأتقنه { ثم هدى } أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أشرف معنى وأعم في الموجودات ، وقرأت فرقة «خلَقه » بفتح اللام ويكون المفعول الثاني ب { أعطى } مقدراً تقديره كماله أو خلقته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

تولى موسى الجواب لأنّه خصّ بالسؤال بسبب النّداء له دون غيره .

وأجاب موسى بإثبات الربوبية لله لجميع الموجودات جرياً على قاعدة الاستدلال بالكلية على الجزئية بحيث ينتظم من مجموعهما قياس ، فإن فرعون من جملة الأشياء ، فهو داخل في عموم { كل شيء } .

و { كُلَّ شَيْءٍ } مفعول أول ل { أعطى } . و { خَلْقَهُ } مفعوله الثاني .

والخلق : مصدر بمعنى الإيجاد . وجيء بفعل الإعطاء للتنبيه على أنّ الخلق والتكوين نعمة ، فهو استدلال على الربوبية وتذكير بالنعمة معاً .

ويجوز أن يكون الخلق بالمعنى الأخصّ ، وهو الخَلق على شكل مخصوص ، فهو بمعنى الجَعْل ، أي الذي أعطى كل شيء من الموجودات شكله المختصّ به ، فكُونت بذلك الأجناسُ والأنواع والأصناف والأشخاص من آثار ذلك الخلق .

ويجوز أن يكون { كُلَّ شَيْءٍ } مفعولاً ثانياً ل { أعطى } ومفعوله الأول { خَلْقَهُ } ، أي أعطى خلقه ما يحتاجونه ، كقوله : { فأخرجنا به نبات كل شيء } [ الأنعام : 99 ] . فتركيب الجملة صالح للمعنيين .

والاستغراق المستفاد من ( كلّ ) عُرفي ، أي كل شيء من شأنه أن يعطاه أصنافُ الخلق ويناسب المعطي ، أو هو استغراق على قصد التوزيع بمقابلة الأشياء بالخلق ، مثل : ركب القوم دوابّهم .

والمعنى : تأمل وانظر هل أنتَ أعطيت الخَلق أوْ لاَ ؟ فلا شك أنه يعلم أنّه ما أعطى كلّ شيء خلقه ، فإذا تأمل علم أن الرب هو الذي أفاض الوجود والنّعم على الموجودات كلّها ، فآمن به بعنوان هذه الصفة وتلك المعرفة الموصّلة إلى الاعتقاد الحق .

و ( ثُم ) للترتيب بمعنييْه الزمني والرتبي ، أي خلق الأشياء ثمّ هدى إلى ما خلقهم لأجله ، وهداهم إلى الحق بعد أن خلقهم ، وأفاض عليهم النّعم ، على حد قوله تعالى : { ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين } [ البلد : 8 10 ] أي طريقي الخير والشرّ ، أي فرّقنا بينهما بالدلائل الواضحة .

قال الزمخشري في « الكشاف » : « ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق » .