ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال : { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ } والحال أن الله شاكر عليم . يعطي المتحملين لأجله الأثقال ، الدائبين في الأعمال ، جزيل الثواب وواسع الإحسان . ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه .
ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم ، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق ، وضد ذلك . وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه ، فإذا أنبتم إليه ، فأي شيء يفعل بعذابكم ؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم ، ولا ينتفع بعقابكم ، بل العاصي لا يضر إلا نفسه ، كما أن عمل المطيع لنفسه .
والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله ، وثناء اللسان على المشكور ، وعمل الجوارح بطاعته وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه .
{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } أيتشفى به غيظا أو يدفع به ضررا أو يستجلب به نفعا وهو الغني المتعالي عن النفع والضر ، وإنما يعاقب المصر بكفره لأن إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا أزاله بالإيمان والشكر -ونفى نفسه عنه- تخلص من تبعته ، وإنما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولا فيشكر شكرا مبهما ، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به . { وكان الله شاكرا } مثيبا يقبل اليسير ويعطي الجزيل . { عليما } بحق شكركم وإيمانكم .
تذييل لكلتا الجملتين : جملة { إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار } مع الجملة المتضمنّة لاستثناء من يتوب منهم ويؤمن ، وما تضمّنته من التنويه بشأن المؤمنين من قوله : { وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً } [ النساء : 146 ] .
والخطاب يجوز أن يراد به جميع الأمّة ، ويجوز أن يوجّه إلى المنافقين على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ارتفاقاً بهم .
والاستفهام في قوله : { ما يفعل الله بعذابكم } أريد به الجواب بالنفي فهو إنكاري ، أي لا يفعل بعذابكم شيئاً .
ومعنى { يفْعَلُ } يصنع وينتفع ، بدليل تعديته بالباء . والمعنى أنّ الوعيد الذي تُوعِّد به المنافقون إنّما هو على الكفر والنفاق ، فإذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله غفر لهم العذاب ، فلا يحسبوا أنّ الله يعذّبهم لِكراهة في ذاتهم أو تشفّ منهم ، ولكنّه جزاء السوء ، لأنّ الحَكيم يضع الأشياء مواضعها ، فيجازي على الإحسان بالإحسان ، وعلى الإساءة بالإساءة ، فإذا أقلع المسيء عن الإساءة أبطل الله جزاءه بالسوء ، إذ لا ينتفع بعذاب ولا بثواب ، ولكنّها المسبّبات تجري على الأسباب . وإذا كان المؤمنون قد ثبتوا على إيمانهم وشُكرهم ، . وتجنّبوا موالاة المنافقين والكافرين ، فالله لا يعذّبهم ، إذ لا موجب لعذابهم .
وجملة { وكان الله شاكراً عليماً } اعتراض في آخر الكلام ، وهو إعلام بأنّ الله لا يعطّل الجزاء الحسن عن الذين يؤمنون به ويشكرون نعمَهُ الجمّة ، والإيمان بالله وصفاته أوّل درجات شكر العبد ربّه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.