المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

24- ما حالة الحياة الدنيا في روعتها وبهجتها ، ثم في فنائها بعد ذلك ، إلا كحالة الماء ينزل من السماء ، فيختلط به نبات الأرض ، مما يأكله الناس والحيوان ، فيزدهر ويثمر وتزدان به الأرض نضارة وبهجة ، حتى إذا بلغت هذه الزينة تمامها ، وأيقن أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها ، فاجأها أمرنا بزوالها فجعلناها شيئاً محصوداً ، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل ، ففي كلتا الحالتين نضارة وازدهار يبتهج بهما الناس ، ثم يعقبهما زوال ودمار ، وكما بيَّن الله ذلك بالأمثال الواضحة ، يبيِّن الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم يتفكرون ويعقلون{[91]} .


[91]:تشير هذه الآية إلى حقيقة بدأت تتكشف بوادرها، وهي تسخير الإنسان العلم لخدمته، واستطاعته به أن يسيطر على ما يحقق أهدافه، حتى إذا ما قاربت هذه الحقيقة الاكتمال، وظن الإنسان أنه قد بلغ أوج المعرفة أتى أمر الله.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

{ 24 ْ } { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ْ }

وهذا المثل من أحسن الأمثلة ، وهو مطابق لحالة الدنيا ، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا ، فإذا استكمل وتم اضمحل ، وزال عن صاحبه ، أو زال صاحبه عنه ، فأصبح صفر اليدين منها ، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها .

فذلك { كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ْ } أي : نبت فيها من كل صنف ، وزوج بهيج { مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ْ } كالحبوب والثمار { و ْ } مما تأكل { الْأَنْعَامِ ْ } كأنواع العشب ، والكلأ المختلف الأصناف .

{ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ْ } أي : تزخرفت في منظرها ، واكتست في زينتها ، فصارت بهجة للناظرين ، ونزهة للمتفرجين ، وآية للمتبصرين ، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضر ، وأصفر ، وأبيض وغيره .

{ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ْ } أي : حصل معهم طمع ، بأن ذلك سيستمر ويدوم ، لوقوف إرادتهم عنده ، وانتهاء مطالبهم فيه .

فبينما هم في تلك الحالة { أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ْ } أي : كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا ، سواء بسواء .

{ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ ْ } أي : نبينها ونوضحها ، بتقريب المعاني إلى الأذهان ، وضرب الأمثال { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ْ } أي : يعملون أفكارهم فيما ينفعهم .

وأما الغافل المعرض ، فهذا لا تنفعه الآيات ، ولا يزيل عنه الشك البيان .

ولما ذكر الله حال الدنيا ، وحاصل نعيمها ، شوق إلى الدار الباقية فقال :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

ضرب [ تبارك و ]{[14160]} تعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها ، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بما أنزل{[14161]} من السماء من الماء ، مما يأكل الناس من زرع{[14162]} وثمار ، على اختلاف أنواعها وأصنافها ، وما تأكل{[14163]} الأنعام من أب وقَضْب وغير ذلك ، { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا } أي : زينتها الفانية ، { وَازَّيَّنَتْ } أي : حَسُنت بما خرج من{[14164]} رُباها من زهور نَضِرة مختلفة الأشكال والألوان ، { وَظَنَّ أَهْلُهَا } الذين زرعوها وغرسوها{[14165]} { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } أي : على جَذاذها وحصادها فبيناهم{[14166]} كذلك إذ جاءتها صاعقة ، أو ريح بادرة ، فأيبست أوراقها ، وأتلفت ثمارها ؛ ولهذا قال تعالى : { أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا } {[14167]} أي : يبسا بعد [ تلك ]{[14168]} الخضرة والنضارة ، { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ } أي : كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك .

وقال قتادة : { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ } كأن لم تنعم .

وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن ؛ ولهذا جاء في الحديث{[14169]} يؤتى بأنعم أهل الدنيا ، فيُغْمَس في النار غَمْسَة ثم يقال له : هل رأيت خيرًا قط ؟ [ هل مر بك نعيم قط ؟ ]{[14170]} فيقول : لا . ويؤتى بأشد الناس عذابًا في الدنيا{[14171]} فيغمس في النعيم غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول : لا " {[14172]}

وقال تعالى إخبارًا عن المهلكين : { فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } [ هود : 94 ، 95 ] .

ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ } أي : نبين الحُجج والأدلة ، { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعًا مع اغترارهم بها ، وتمكنهم{[14173]} بمواعيدها وتَفَلّتها{[14174]} منهم ، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها ، وقد ضرب الله مثل الحياة الدنيا بنبات الأرض ، في غير ما آية من كتابه العزيز ، فقال في سورة الكهف : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } [ الكهف : 45 ] ، وكذا في سورة الزمر{[14175]} والحديد{[14176]} يضرب بذلك مثل الحياة الدنيا كماء .

وقال ابن جرير : حدثني الحارث{[14177]} حدثنا عبد العزيز ، حدثنا ابن عُيَيْنَةَ ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : سمعت مروان - يعني : ابن الحكم - يقرأ على المنبر :

" وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان الله ليهلكها{[14178]} إلا بذنوب أهلها " ، قال : قد قرأتها وليست في المصحف فقال عباس بن عبد الله بن عباس : هكذا يقرؤها ابن عباس . فأرسلوا إلى ابن عباس فقال : هكذا أقرأني أبيّ بن كعب . {[14179]} وهذه قراءة غريبة ، وكأنها زيادة للتفسير .


[14160]:- زيادة من ت ، أ.
[14161]:- في ت ، أ : "أنزل الله".
[14162]:- في ت : "زروع".
[14163]:- في ت : "يأكل".
[14164]:- في ت : "في".
[14165]:- في ت : "وعرشوها"
[14166]:- في ت ، أ : "فبيناها".
[14167]:- في ت ، أ : "جاءها" وهو خطأ.
[14168]:- زيادة من ت ، أ.
[14169]:- في ت ، أ : "الصحيح".
[14170]:- زيادة من ت ، أ ، وابن ماجه.
[14171]:- في ت ، أ : "ويؤتى بأبأس أهل الدنيا".
[14172]:- سنن ابن ماجه برقم (4321).
[14173]:- في ت ، أ : "وتمسكهم".
[14174]:- في ت : "وتفلها".
[14175]:- الآية : 21.
[14176]:- الآية : 20
[14177]:- في ت : "الحرب".
[14178]:- في ت : "ليهلكهم".
[14179]:- تفسير الطبري (15/57) وانظر تعليق الأستاذ محمود شاكر في الحاشية ، فقد ذكر أن هذا الإسناد هالك.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

{ إنما مثل الحياة الدنيا } حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها . { كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض } فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا . { مما يأكل الناس والأنعام } من الزرع والبقول والحشيش . { حتى إذا أخذت الأرض زُخرفها } حسنها وبهجتها . { وازّيّنت } تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزين فتزينت بها ، { وازينت } أصله تزينت فأدغم وقد قرئ على الأصل { وازينت } على أفعلت من غير اعلال كاغيلت ، والمعنى صارت ذات زينة " وازيانت " كابياضت . { وظن أهلها أنهم قادرون عليها } متمكنون من حصدها ورفع غلتها . { أتاها أمرنا } ضرب زرعها ما يحتاجه . { ليلا أو نهارا فجعلناها } فجعلنا زرعها . { حصيدا } شبيها بما حصد من أصله . { كأن لم تغن } كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث ، والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة وقرئ بالياء على الأصل . { بالأمس } فيما قبيله وهو مثل في الوقت القريب والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعدما كان غضا والتف ، وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن وليه حرف التشبيه لأنه من التشبيه المركب . { كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكرون } فإنهم المنتفعون به .