الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

قوله : { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } إلى قوله { مستقيم }[ 24 – 25 ] .

قرأ الحسن ، والأعرج{[30773]} ، وأبو العالية{[30774]} : ( وأزْيَنَتْ ){[30775]} على وزن ( أفعلت ) : أي جاءت بالزينة . وجاء على أصله غير{[30776]} معتل ( كاستحوذَ ) .

وقرئ ( وازْيانت ){[30777]} مثل اسوادت .

وروى المقدميُّ{[30778]} والأًصل تَزَايَنَتْ{[30779]} على ( تفاعلت ) . والمعنى : إنما مثل ما تتفاخرون{[30780]} به في الدنيا ، وتتباهون{[30781]} به من زينتها وأموالها ، ( مع ){[30782]} ما خالط ذلك من التنفيض{[30783]} والتكدير والفناء والموت : كماء نزل من السماء فنبت بذلك أنواع النبات مما يأكل الناس : كالحنطة ، والشعير ، ومما تأكل البهائم من أنواع{[30784]} النبات{[30785]} . فإذا تم نباته ، وحسن ، وأيقن أهل الزرع أنهم قد ملكوه ، وأيقنوا بتمامه ، وحصاده ، وأن الحشيش لأنعامه مرعى { أتاها أمرنا }[ 24 ] أي : أتى الأرض قضاؤنا في الليل أو في النهار{[30786]} ، فجعلنا ما عليها حصيدا ، أي : ( مقطوعا مقلوعا ){[30787]} .

والمراد{[30788]} به ما على الأرض ، واللفظ للأرض .

{ كأن لم تغن بالأمس }[ 24 ] أي{[30789]} كأن لم يكن ذلك الزرع ، والنبات على ظهرها{[30790]} بالأمس{[30791]} ، ( يقال : غنى فلان ){[30792]} بالمكان : إذا أقام به ، والمعنى : كأن لم تعمر بالنبات بالأمس . والمغاني : المنازل التي يعمرها الناس{[30793]} . وغنينا بمكان كذا أي : نزلناه{[30794]} . والمعنى{[30795]} : وكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم فيفنيها{[30796]} .

قال ابن عباس : فاختلط به نبات الأرض : فنبت بالماء{[30797]} من كل لون{[30798]} .

ثم قال { كذلك نفصل الآيات }[ 24 ] : ( أي ){[30799]} : كما بينا لكم أيها الناس مثال الدنيا{[30800]} ، كذلك نبين حججنا ، وأدلتنا لمن تفكر ، ونظر ، واعتبر{[30801]} . والهاء في { أتاها أمرنا }[ 24 ] تعود على الأرض . وقيل : على الزخرف . أي : أتى زخرفها أمرنا .

وقيل : ( على ) الزينة : أي : أتى زينتها أمرنا ليلا .

وقرأ مَرْوَ( ا ){[30802]}ن على المنبر : { حتى إذا{[30803]} أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها }[ 24 ] . وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها{[30804]} .

وذكر أن كذلك قرأها ابن عباس{[30805]} .

وقال ابن عباس : كذلك أقرأني أبي بن كعب{[30806]} .

وقال قتادة ( كأن لم نغن بالأمس ){[30807]} : ( كأن لم تعش ، كأن لم تنعم ){[30808]} .

وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن{[30809]} يقرأ في قراءة أبي{[30810]} : ( كأن لم تغن بالأمس ، وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها ، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ){[30811]} ولا يحسن أن يقرأ احد بهذه{[30812]} القراءة ، لأنها مخالفة لخط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون .

وقوله{[30813]} : { يتفكرون } : وقف{[30814]} ، ووقَفُ أصحاب نافع{[30815]} { أنزلناه من السماء فاختلط به }{[30816]} ، وكذلك { فاختلط } في الكهف{[30817]} .

وتأويل ذلك ( كماء أنزلناه من السماء فاختلط بالأرض ) ثم استأنف فقال : { به نبات الأرض } : أي بالماء نبات الأرض .

ومن/ جعل الوقف ( والأنعام ) رفع النبات{[30818]} .

{ فاختلط } : أي : فاختلط ( نبات الأرض ){[30819]} بالماء{[30820]} .


[30773]:هو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز، حافظ، ومقرئ بالمدينة، أخذ عن أبي هريرة، وروى عنه الزهري، ونافع، توفي سنة 117 هـ. انظر: التذكرة 97، والغاية 1/381، والتقريب 1/501.
[30774]:هو رفيع بن مهران الرياحي، تابعي، مفسر، مقرئ، روى عن ابن مسعود، وعلي، وسواهما، وحدث عنه قتادة، وأبو عمرو (ت:90). انظر: طبقات ابن سعد 7/1121، وصفة الصفوة 3/211، رقم 485، والسير 4/207.
[30775]:انظر هذه القراءة في: جامع البيان 15/58، وإعراب النحاس 2/251، وإعراب مكي 1/378 ونسبها في شواذ القرآن 61 إلى مالك بن دينار، وعزاها أيضا في المحرر 9/30 إلى الشعبي، وقتادة، ونصر بن عاصم، وعيسى.
[30776]:ط: وغير.
[30777]:انظر هذه القراءة الشاذة في: إعراب النحاس 2/251، وعزاها في شواذ القرآن 61، والمحرر 9/30 إلى أبي عثمان النهدي ونسبها في الجامع 8/209، والبحر المحيط 5/144 إلى عوف ابن أبي جميلة الأعرابي.
[30778]:انظر قراءة المقدمي في إعراب النحاس 2/251.
[30779]:انظر قراءة المقدمي في إعراب النحاس 2/251، والجامع 8/209، وفي البحر المحيط 5/144، وقرأ بها فرقة.
[30780]:ط: يتفاخرون. ق: تتفاخروا.
[30781]:ط: بتباهون.
[30782]:ساقط من ق.
[30783]:ق: التنقيص.
[30784]:ط: أجناس.
[30785]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/55.
[30786]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/59.
[30787]:انظر هذا التفسير في: مجاز القرآن 1/277، وجامع البيان 15/59.
[30788]:ط: فالمراد.
[30789]:ق: ان.
[30790]:طمست على ظهرها بالأمس.
[30791]:انظر هذا التفسير في: جامع البيان 11/59.
[30792]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[30793]:انظر: المحرر 9/31، والجامع 8/209، واللسان: غنى.
[30794]:انظر: اللسان: غني.
[30795]:ط: والمعنى فالمعنى.
[30796]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/59، ومعاني الزجاج 3/15.
[30797]:ط: جملة مخرومة يبدو منها (من دنياكم).
[30798]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/55.
[30799]:ساقط من ق.
[30800]:ط: مطموس.
[30801]:وهو تفسير الطبري في جامع البيان 15/56-57.
[30802]:ساقط من النسختين. ومروان بن الحكم من كبار التابعين، روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وحدث عنه ابن المسيب، ومجاهد، وسواهما (ت:65) انظر طبقات ابن سعد 5/24، والسير 3/314، والإصابة 8343.
[30803]:انظر المصدر السابق.
[30804]:زاد في جامع البيان 15/57: (قال: قد قرأتها، وليست في المصحف). انظر هذه القراءة عند الطبري في: المرجع السابق، وفيه: أنها مروية عن عبد العزيز بن أبان: وهو كذاب، وضاع، معروف. قال الشيخ محمود شاكر معلقا على هذا الخبر: هو مالك الإسناد من نواحيه، والقراءة التي فيه إذا صحت من غير هذا الطريق الهالك فهي قراءة تفسير كما هون معروف... ولا يحل لقارئ أن يقرأ بمثلها على أنها نص التلاوة لشذوذها ولمخالفتها رسم المصحف بالزيادة، بغير حجة يجب التسليم لها. انظر: هامش جامع البيان 15/58.
[30805]:انظر هذا القراءة الشاذة في: جامع البيان 15/57.
[30806]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/58. وأبي: هو ابن كعب بن قيس الخزرجي، كان قبل إسلامه من أحبار اليهود، وبإسلامه صار من كتاب الوحي، روي له 114 حديثا (ت:21هـ) انظر: طبقات ابن سعد 3/59، والحلية 1/250، وصفة الصفوة 1/4745.
[30807]:ما بين القوسين ساقط من ق.
[30808]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/58.
[30809]:وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال عنه ابن شهاب الزهري: أربعة وجدتهم بحورا منهم أبو سلمة (ت:94) وقيل: (95) انظر: طبقات الشيرازي 61.
[30810]:ط: قراءته أي.
[30811]:انظر قراءة أبي في: جامع البيان 15/58 وإسناد روايتها مرسل لكون أبي سلمة لم يسمع من أبي بن كعب، وذكر ابن عطية في المحرر 9/31: أنها مروية عن ابن عباس، وأعتقد أن مقالة الشيخ محمود شاكر في قراءة مروان السابقة تنطبق تماما على قراءة أبي لضعف روايتها ولمخالفتها لرسم المصحف الشريف، وهو رأي مكي.
[30812]:ط: بهاذه
[30813]:ط: قوله.
[30814]:انظر هذا الوقف تاما في: القطع 375 والمكتفي 306. وعزاه في المقصد 44 إلى أبي عمرو.
[30815]:هو نافع بن عبد الرحمن أحد القراء السبعة وإليه انتهت رياسة القراءة بالمدينة التي أقرأ فيها الناس حتى وفاته سنة 169 هـ انظر: الغاية 3306، ووفيات الوفيات 5/368.
[30816]:انظر هذا الوقف تاما في: المكتفى 306.
[30817]:انظر الوقف على الآية 44 من الكهف في: القطع 375، والمكتفى 306.
[30818]:انظر هذا الوقف في: القطع 375 والمكتفى 304.
[30819]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[30820]:انظر هذا التوجيه في: الجامع 8/208.