الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

وقوله سبحانه : { إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا } [ يونس : 24 ] .

أي : تفاخُرُ الحياة الدنيا وزينَتُها بالمَالِ والبَنِينَ ، إِذ مصيرُ ذلك إِلى الفَناءِ ؛ كمطرٍ نَزَلَ من السماءِ ، { فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض } [ يونس : 24 ] أي : اختلط النباتُ بعْضُهُ ببعض بسَبَبِ الماء ، ولفظ البخاريِّ : قال ابن عباس : { فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض } : فنبت بالماء مِنْ كلِّ لونٍ انتهى .

و{ أَخَذَتِ الأرض } لَفْظَةٌ كثُرت في مثل هذا ، كقوله : { خُذُوا زِينَتَكُمْ } [ الأعراف : 31 ] ، والزُّخْرُف : التزيينُ بالألوان ، وقرأ ابن مسعود وغيره : «وتَزَيَّنَتْ » وهذه أصل قراءة الجمهور .

وقوله : { وَظَنَّ أَهْلُهَا } [ يونس : 24 ] على بابها ، وهذا الكلامُ فيه تشبيهُ جملة أمْرِ الحياة الدنيا بهذه الجُمْلَةَ الموصُوفَة أحوالُهَا ، و{ حتى } غايةٌ ، وهي حرفُ ابتداء ؛ لدخولها على «إِذا » ، ومعناهما متَّصِلٌ إِلى قوله : { قَادِرُونَ عَلَيْهَا } ، ومن بعد ذلك بدأ الجوابُ ، والأمْرُ الآتي : واحدُ الأمور ؛ كالرِّيحِ ، والصِّرِّ والسَّمُومِ ، ونحوِ ذلك ، وتقسيمُهُ { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا } ، تنبيهٌ على الخَوْف وارتفاع الأمْنِ في كلِّ وقت ، و{ حَصِيداً } ، بمعنى محصوداً ، أي : تالفاً مستهلكاً ، { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } : أي : لم تنضر ، ولم تنعم ، ولم تعمر بغَضَارتها ، ومعنى الآية : التحذير من الاغترار بالدنيا ؛ إِذ هي معرَّضة للتلف ؛ كنبات هذه الأرض وخَصَّ المتفكِّرين بالذكْر ؛ تشريفاً للمنزلة ؛ وليقَعَ التسابُقُ إِلى هذه الرتبة .