تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

المفردات :

فاختلط به نبات الأرض : فنبت بذلك المطر أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض .

حتى إذا أخذت الأرض زخرفها : زينتها وبهاءها .

وازينت : تزينت .

وظن أهلها : أهل الأرض .

قادرون عليها : على ما أنبتت .

أمرنا : قضاؤنا بهلاك ما على الأرض من نبات .

فجعلناها حصيدا : فجعلنا ما عليها مقطوعا مقلوعا من أصله .

كأن لم تغن : كأن لم تعش أو كأن لم تنعم .

يقول : كأن لم تكن تلك الزروع والنبات على ظهر الأرض نابتة قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس .

التفسير :

24 { إنما مثل الحياة الدنيا . . . } الآية .

من شأن القرآن أن يضرب الأمثال ؛ تشبيها للمعقول بالمحسوس ، وإبراز للمعنى المقصود في صورة حسية مجسمة يراها الناظر ويتأملها .

ومن هذه الأمثال : تشبيه الدنيا في إقبالها وجمال بهجتها وحسن منظرها ، ثم في سرعة تحويلها وانتهاء أمرها ، بحال المطر ينزل من السماء فيختلط بالنبات ، ثم يثمر النبات وينمو ، وتزدهر الزروع والثمار ، بما يأكل منه الناس والأنعام وتدب الحياة في الأرض ، وتعمها الخضرة والجمال ، ويصبح وجهها كالبساط السندسي ، وترى الأرض في أبهى حلتها وزينتها ، كالعروس الحسناء ليلة زفافها ، أي : أن جني الثمرة أصبح وشيكا ، وقطف الثمار صار قاب قوسين أو أدنى .

فإذا نظر الزارع إلى أرضه ؛ أعجبه الزرع ومنّى نفسه بيوم الحصاد وظن أن الزرع لن يفلت من يده ، فهو قادر على جني الثمرة في يوم قريب .

ثم حدثت المفاجأة ؛ فجاء أمر الله وقدره ، وأرسل بأسه وعقابه على هذا الزرع ، فصار يابسا بعد الخضرة والنضارة ، وتحول العرس إلى مأتم وموسم حصاد الزرع إلى حصاد الندم ! ! !

{ كذلك نفصل الآيات } .

نبين الحجج والأدلة ونوضح الأمثال .

{ لقوم يتفكرون } .

فيعتبرون بهذا المثل ، في سرعة زوال الدنيا عن أهلها ، مع اغترارهم بها ، وتفلتها من بين أيديهم ، والدنيا إذا حلت أوحلت ، وإذا كست أوكست ، وإذا أقبلت على رجل أعارته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عن رجل سلبته محاسن نفسه .

وقد ضرب القرآن هذا المثل في كثير من الآيات محذرا من الاغترار بالدنيا ، مبينا سرعة نهايتها وفجأة تحولها ؛ قال تعالى : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكن الله على كل شيء مقتدرا * المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } . ( الكهف : 45 ، 46 ) ، وتجد هذا المعنى في الآية 21 من سورة الزمر ، xv كما تجده في الآية 20 من سورة الحديد . xvi

وجهة نظر :

بعض العلماء يرى في هذه الآية دليلا على نهاية الكون ، واحتمال هذه النهاية فجأة بين عشية وضحاها ، عندما يظن الإنسان أنه امتلك ناصية الكون ؛ وأصبح قادرا على تحطيم الذرة ؛ أو إطلاق صاروخ إلى القمر ، فإن ذلك لن يمنع إنهاء حياته ، وإنهاء حياة الكون عندما تتعلق بذلك مشيئة الله وإرادته والمتخصصون من علماء الطبيعة يرون أن عمر الكون محدود فالكون موجود من عدم ، وستنتهي حياة هذا الكون بحسب قوانين الطبيعة .

يقول الأستاذ الدكتور : زغلول النجار متحدثا عن النجوم :

وتختلف النجوم في أحجامها وألوانها ، وفي درجات حرارتها ، ويعتقد العلماء أن النجوم التي في السماء تختلف اختلافا كبيرا في أعمارها ، وأنها تمر بدورة تشبه دورة الحياة على الأرض ، فهي تبدأ نجوما زرقاء حارة ، ثم تصير بيضاء فصفراء ، ثم تصير في آخر الأمر نجوما باردة حمراء . والنجوم كلها تتحرك في الفضاء الكوني في اتجاهات ثابتة محددة .

ويتحدث في مكان آخر عن النجوم والكواكب فيقول :

وبالسماء ما يعرف باسم النجوم البيضاء القزمة ، ومادتها ذات كثافة هائلة ، ويعتقد بأنه دور لشيخوخة في حياة النجم العادي ، وفي مادة هذه النجوم القزمة ، يعتقد أن الإلكترونات في حالة انحلال بمفهوم نظرية الكم وحتى بمفهوم النظرية النسبية في بعض الحالات ، وهناك أيضا حدا أعلى لكتلة النجم التي تكون في وضع اتزان ميكانيكي في مثل هذه الحالات .

ويتحدث عن الشمس فيقول :

وتبلغ درجة حرارة السطح الخارجي للشمس ستة آلاف درجة مئوية تقريبا ، بينما يتزايد اتجاه مركزها إلى حوالي عشرين مليون درجة مئوية ، وبالتحليل الطيفي لأشعة الشمس تبين أن الشمس تحتوي على نفس العناصر التي تتكون منها الأرض ، ولكن بنسبة متفاوتة كثيرا ، حيث يكون الهيدروجين معظم كتلة الشمس .

والشمس في تمدد مستمر ، ولولا ذلك لانفجرت كقنبلة هيدروجينية هائلة ، والشمس تشع أضواءها في الفضاء المتسع منذ نشأتها ، وهي تفقد من طاقتها في الثانية الواحدة ما يعادل خمسمائة وثمانية آلاف مليون مليون مليون قوة حصان .

ولما كان للطاقة كتلة ؛ فإن الشمس تفقد من كتلتها ما يعادل خمسة ملايين من الأطنان في كل ثانية ، وعلى ذلك فقد حسب أنه بعد خمسة آلاف مليون سنة من الآن ستتوهج الشمس أكثر من ذلك ألف مرة ويزداد حجمها مائة مرة ، ثم بعد 15 ألف مليون سنة من الآن ستتحول الشمس إلى ما يعرف بالنجوم البيضاء القزمة ، وحينئذ تنطفئ جذوتها ويخبو نورها ، وهذا بالطبع إذا استمرت الأمور في إطارها العادي دون طارئ خارجي يتدخل من إرادة عظمى تهيمن على هذا الكون وتسيره . xvii

لقد أخبر القرآن الكريم : أن الدنيا محدودة الأجل ، وإذا جاء يوم القيامة ؛ انشقت السماء ، وامتدت الأرض ، ونسفت الجبال ، وفجرت البحار ، وكورت الشمس ، وانكدرت النجوم .

{ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار * وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار * ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب } . ( إبراهيم : 48 51 ) .