التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

قوله تعالى : { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلنها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون 24 والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } أي أن هذه الحياة الدنيا التي تباهون وتفاخرون بها وبزينتها وما فيها من أموال ومتاع ، وما حوته من تنغيص ونصب وكروب ، وما تضمنته من انحتام الزوال والفناء ، إنما مثلها كمثل المطر النازل من السماء إلى الأرض ليختلط بترابها اختلاطا حيث ينبت به الثمار والزرع وما سواه مما يأكل الناس ، أو تأكله الأنعام كالكلأ والمراعي .

وهذه هي الدنيا : زينة وأموال وبهجة ، ومفاخرات بالبنين والمراكز والوجاهات ، فضلا عما يتخللها من ألوان الهموم والكروب والأحزان ، ثم لا تبث بعد أمد قصير خاطف أن تصير إلى النهاية القطيعة . أو الحتمية التي لا مفر منها ولا مندوحة عنها . وتلك هي حتمية الموت والفراق . فراق الأهل والمال والصحب . فراق البيوت والعشيرة والأوطان . فراق الذكريات والأوطان . فراق الذكريات والأحباب والخلان .

قوله : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا } الزخرف ، معناه الذهب ، ثم يشبه به كل مموه . والمزخرف ، المزين{[1964]} ؛ أي أخذت الأرض لونها الحسن المزين ؛ إذ ازدانت بمختلف أنواع النبات كالحبوب والثمار والأزهار وغير ذلك من وجوه الغلة والثمار والزرع مما تتزين به الأرض فتزداد نضارة وبهاء ، وأيقن أهلها أنهم قادرون على جنيها وحصادها والانتفاع بها ، عندئذ جاءها أمر الله بهلاكها وإتلافها ، إما ليلا أو نهارا .

قوله : { فجعلنها حصيدا كأن لم تعن بالأمس } الحصيد ، معناه المستأصل{[1965]} . أي جعل الله زرعها مقطوعا مقلوعا من أصوله { كأن لم تغن بالأمس } أي كأن لم تكن هذه الزروع والثمرات نابتة على ظهر الأرض بالأمس . وقوله : { لم تغن } من غني بالمكان ؛ إذا أقام به . والمعاني في اللغة بمعنى المنازل ، أو المواضع التي كان بها أهلوها{[1966]} .

قوله : { كذالك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } أي مثل هذا التفضيل عن حقيقة الدنيا وأنها زينة عاجلة وزخرف مموه عابر فما تلبث أن تزول ، نبين لكم الآيات لكي تتدبروا وتعتبروا . أو نبين ونوضح الدلائل والحجج لأولي النهى والأبصار الذين يتفكرون ويتدبرون في خلق الله وفي عجائب قدرته .


[1964]:مختار الصحاح ص 270.
[1965]:المصباح المنير جـ 1 ص 150.
[1966]:مختار الصحاح ص 483.