{ إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء } من السحاب { فاختلط بِهِ } بالماء { نَبَاتُ الأرض } أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً { مِمَّا يَأْكُلُ الناس } يعني الحبوبِ والثمار والبقول { والأنعام } يعني الحشيش { حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا } زينتها بالنبات واختلاف ألوانه { وازينت } وتزينت به وهو أصله وأدغمت التاء في الزاي وهو كلام فصيح ، جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين { وَظَنَّ أَهْلُهَا } أهل الأرض { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها { أَتَاهَا أَمْرُنَا } عذابنا وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا } فجعلناها زرعاً { حَصِيداً } شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث ، حذف المضاف في هذه المواضع لا بد منه ليستقيم المعنى { بالأمس } هو مقل في الوقت القريب كأنه قيل { كأن لم تغن } آنفاً { كذلك نُفَصّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فينتفعون بضرب الأمثال ، وهذا من التشبيه المركب شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال ، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه . وحكمة التشبيه ، التنبيه على أن الحياة صفوها شبيبتها وكدرها شيبتها كما أن صفو الماء في أعلى الإناء قال
ألم تر أن العمر كأس سلافة . . . فأوله صفو وآخره كدْر
وحقيقته تزيين جثة الطين بمصالح الدنيا والدين كاختلاط النبات على اختلاف التلوين ، فالطينة الطيبة تنبت بساتين الأنس ، ورياحين الروح ، وزهرة الزهد ، وكروم الكرم ، وحبوب الحب ، وحدائق الحقيقة ، وشقائق الطريقة ، والخبيثة تخرج خلاف الخلف ، وثمام الاسم ، وشوك الشرك ، وشيح الشح ، وحطب العطب ، ولعاع اللعب ، ثم يدعوه معاده كما يحين للحرث حصاده فتزايله الحياة مغتراً كما يهيج النبات مصفراً فتغيب جثة في الرمس كأن لم تغن بالأمس إلى أن يعود ربيع البعث وموعد العرض والبحث ، وكذلك حال الدنيا كالماء ينفع قليله ويهلك كثيره ، ولا بد من ترك ما زاد كما لا بد من أخذ الزاد ، وآخذ المال لايخلو من زلة ، كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة ، وجمعه وإمساكه تلف صاحبه ، وإهلاكه فما دون النصاب كضحضاح ماء يجاوز بلا احتماء ، والنصاب كنهر حائل بين المجتاز . والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهي الزكاة ، وعمارتها بذل الصلات ، فمتى اختلت القنطرة غرّقته أمواج القناطير المقنطرة ، وعن هذا قال عليه السلام : « الزكاة قنطرة الإسلام » وكذا المال يساعد الأوغاد دون الأمجاد كما أن الماء يجتمع في الوهاد دون النجاد ، وكذلك الماء لا يجتمع إلا بكد البخيل كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل ، ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء في الكف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.