بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

ثم ضرب للحياة الدنيا مثلاً فقال : { إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا } ، يعني : في فنائها وبقائها ، { كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السماء } ، يعني : المطر ، { فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض } ، يعني : يدخل الماء في الأرض فينبت به النبات ، فاتصل كل واحد بالآخر فاختلط . { مِمَّا يَأْكُلُ الناس والأنعام } ، يعني : مما يأكل الناس من الحبوب والثمار ، ومما تأكل الأنعام والدواب من العشب والكلأ .

{ حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا } ، يعني : زينتها ، { وازينت } ، يعني : حسنت بألوان النبات ؛ وأصله تزينت فحذفت التاء وأقيم التشديد مقامها . وهذا كقوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة } [ الحاقة : 3 ] وأصله تدارك . { وَظَنَّ أَهْلُهَا } ، يعني : وحسب أهل الزرع { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } ، يعني : على غلاتها وأنها ستتم لهم الآن . { أَتَاهَا أَمْرُنَا } ، يعني : عذابنا { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا } ؛ قال أبو عبيدة : الحصيد المستأصل ، ويقال : الحصيد كحصيد السيف . { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس } ، يعني : صار كأن لم يكن بالأمس ، فكذلك الدنيا والإنسان يجمع المال ويشتري الضياع ويبني البنيان ، فيظن أنه قد نال مقصده ، فيأتيه الموت فيصير كأنه لم يكن أو رجل ولد له مولود . فإذا بلغ فظن أنه قد نال مقصوده ، فيموت ويصير كأنه لم يكن . { كذلك نُفَصّلُ الآيات } ، يعني : نبين علامات غرور الدنيا وزوالها ، لكيلا يغتروا ونبيِّن بقاء الآخرة ليطلبوها { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } بأمثال القرآن ويعتبرون بها .