{ قُلْ } يا أيها الرسول لقومك إذا دعوتهم إلى الله ، وبينت لهم ما لهم وما عليهم من حقوقه ، فامتنعوا من الانقياد لأمره ، واتبعوا أهواءهم ، واستمروا على شركهم : { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي : على حالتكم التي أنتم عليها ، ورضيتموها لأنفسكم . { إِنِّي عَامِلٌ } على أمر الله ، ومتبع لمراضي الله . { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ } أنا أو أنتم ، وهذا من الإنصاف بموضع عظيم ، حيث بيَّن الأعمال وعامليها ، وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير ، ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح . وقد علم أن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة للمتقين ، وأن المؤمنين لهم عقبى الدار ، وأن كل معرض عما جاءت به الرسل ، عاقبته سوء وشر ، ولهذا قال : { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } فكل ظالم ، وإن تمتع في الدنيا بما تمتع به ، فنهايته [ فيه ] الاضمحلال والتلف " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته "
وقوله تعالى : { قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } هذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، أي : استمروا على طريقكم{[11245]} وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كما قال تعالى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } [ هود : 121 ، 122 ] .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي : ناحيتكم .
{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } أي : أتكون لي أو لكم . وقد أنجز موعده له ، صلوات الله عليه ، فإنه تعالى مكن له في البلاد ، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد ، وفتح له مكة ، وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه ، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب ، وكذلك اليمن والبحرين ، وكل ذلك في حياته . ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه ، رضي الله عنهم أجمعين ، كما قال الله تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } [ المجادلة : 20 ] ، وقال { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 51 ، 52 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] ، وقال تعالى إخبارًا عن رسله : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 13 ، 14 ] ، وقال تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } الآية [ النور : 55 ] ، وقد فعل الله [ تعالى ]{[11246]} ذلك بهذه الأمة ، وله الحمد والمنة أولا وآخرًا ، باطنًا وظاهرًا{[11247]} .
{ قل يا قوم أعملوا على مكانتكم } على غاية تمكنكم واستطاعتكم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من قولهم مكان ومكانة كمقام ومقامة . وقرأ أبو بكر عن عاصم " مكاناتكم " بالجمع في كل القرآن وهو أمر تهديد ، والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم . { إني عامل } ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام ، والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي به ، إليه ، وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه . { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } إن جعل { من } استفهامية بمعنى أينا تكون له عاقبة الدار الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار ، فمحلها الرفع وفعل العلم معلق عنه وإن جعلت خبرية فالنصب ب{ تعلمون } أي فسوف تعرفون الذي تكون له عاقبة الدار ، وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال وحسن الأدب ، وتنبيه على وثوق المنذر بأنه محق ، وقرأ حمزة والكسائي " يكون " بالياء لأنه تأنيث العاقبة غير حقيقي . { إنه لا يفلح الظالمون } وضع الظالمين موضع الكافرين لأنه أعم وأكثر فائدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.